نشر بتاريخ: 2025/06/27 ( آخر تحديث: 2025/06/27 الساعة: 10:02 )
أكرم عطا الله

المجهول والمعلوم في الحرب الخاطفة...!

نشر بتاريخ: 2025/06/27 (آخر تحديث: 2025/06/27 الساعة: 10:02)

لم يكن غريباً أن تندلع الحرب بين إيران وإسرائيل أو بالأحرى أن تقوم إسرائيل بمهاجمة إيران فهي اللحظة التي لن تتكرر بالنسبة لها فقد توافرت فيها كل عوامل الاشتعال، لكن الغريب أن تنتهي بهذه السرعة وبهذا الشكل بعد أن كاد عود الثقاب الذي أشعلته إسرائيل في منطقة هي مجمع مخازن للنفط والبارود أن يحرق ما هو أبعد من المنطقة بكثير ليصل إلى كبرى العواصم البعيدة لكنه انطفأ فجأة تاركاً ما يكفي من التساؤلات الباحثة عن إجابة.

كل شيء بدا مبهماً وغير مقنع في إخراجه حتى الأطراف تبدو متلعثمة وهي تعلن النتائج.

إيران تحتفل بالنصر وإسرائيل تحتفل كذلك والرئيس الأميركي يحتفل.

وحدهم العرب كأن على رؤوسهم الطير فلا علاقة لهم بما يحدث في منطقتهم سوى مشاهدة صواريخ غير العرب تتطاير فوق مدنهم التي تحطمت بفعل عوامل التاريخ وصراعات العرب مع أنفسهم وانعدام مصداتهم ومناعتهم أمام التحديات سواء داخلية أو خارجية.

لم يكن البرنامج النووي الإيراني هو سبب الاستنفار الإسرائيلي منذ عقود، فهذا تكفلت بتقييده الاتفاقية التي تمت برعاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما العام 2015 قبل أن يقوم نتنياهو بتحريض ترامب على الانسحاب منها، بل إن صراع إسرائيل مع العقل والثقافة والتحريض والصواريخ والأذرع التي نشرتها طهران وهو ما أطلق عليه نتنياهو رأس الأخطبوط التي كان يحب قطعه وقد حانت اللحظة فلماذا قبلت إسرائيل بوقف إطلاق النار حيث بقي النظام وسيعود لترميم ذاته وصواريخه وربما مفاعلاته وأذرعه مستفيداً من التجربة.

وبالمقابل لماذا قبلت طهران بوقف إطلاق النار بعد كل الضربات الموجعة التي تلقتها بينما كانت على امتداد سنوات طويلة تبدو كأنها تتحين اللحظة لتدمير إسرائيل وقد بلغت القوة لدى إيران أن هدد أحد القادة ذات مرة بتدمير إسرائيل خلال ثماني دقائق.

في هذه الحرب المباغتة كانت الضربة موجعة لأنها أصابت درة تاج المشروع الإيراني الذي جاع الشعب طويلاً من أجله، فقد تم ضربه ببنيتيه التحتية «المفاعلات» والفوقية «العقول» بالإضافة للقادة العسكريين في الليلة الأولى وقادة أجهزة الأمن؛ المخابرات والاستخبارات.

صحيح أن إيران تمكنت من استعادة توازنها وفاجأت الجميع بقوتها الصاروخية ودقتها المعلوماتية، فقد كانت الصواريخ دقيقة طالت قواعد جوية وعسكرية دعت إسرائيل لفرض حظر على نشر صورها بل وعلى عجل قامت بتشريع قانون بمعاقبة من ينشر صورة بالسجن لمدة عامين إلى عامين ونصف العام وطالت أيضاً مراكز بحثية «رحوفوت للأبحاث وكذلك مركز سوروكا للأبحاث النووية» ومن حيث الحجم وقدرتها التدميرية في معظم المدن الرئيسة في إسرائيل لكن الحقيقة أن كل تلك الضربات لم تكن توازي واحدة من خسارات إيران.

هنا قد يكون مفهوماً لماذا قبلت إيران بوقف إطلاق النار، ربما لشعورها بأن الحسابات القديمة لم تكن دقيقة أمام شدة النيران الإسرائيلية وخلفها الأميركية التي بدأت تزحف بثلاث حاملات طائرات تضاف لكل القواعد المنتشرة في المنطقة القادرة على سحق إيران، فكان لا بد للعقل الإيراني الواقعي أن يتوقف ويقبل حتى لا يتحول الفعل إلى انتحار كما يحدث في غزة.

وإذا كان لدينا تفسير قد يكون منطقياً لإيران لكن الحقيقة لمن يتابع إسرائيل وموقفها منذ أن سلمت إيران مفاتيح السفارة الإسرائيلية في طهران لمنظمة التحرير وبعدها الخطاب الإسرائيلي تجاه طهران الذي يتكرر في مؤتمرات الأمن القومي بتهديد حتى قبل أن تبدأ إيران مشروعها النووي، يدرك أن إسرائيل كانت تذهب باتجاه إقامة شرق أوسط جديد يبدأ بالقضاء على رأس «محور الشر» كما تطلق عليه أو في وصف آخر «رأس الأخطبوط» لكنها توقفت ولم تقطعه ..فلماذا ؟

بعيداً عن تفسيرات المؤامرة التي تستهوي العقل العربي الذي يستصعب تفسير الأشياء فيجد في نظرياتها ما يغطي الضعف المرافق للفعل وللعقل وما يشبع غريزة ما يبدو مبهماً أو غريباً، لكن الحقيقة أن إسرائيل توقفت قبل أن تصل الهدف تاركة كثيراً من التساؤلات حول الأمر وتبدو محاولة تفسير الأمر، بأنه نزولاً عند رغبة الرئيس الأميركي، تنفيه الوقائع فالرئيس الأميركي هو من ينزل عند الرغبة الإسرائيلية وليس العكس.

جزء من التساؤلات أيضاً يمكن أن يتعلق بقدرة إسرائيل على خوض حرب استنزاف بهذا الثقل، فهل هي قادرة وما مدى تأثير الصواريخ الإيرانية على القرار؟

وكذلك عن تسريب بعض الأنباء عن اقتراب نفاد مخزون الصواريخ الدفاعية وهو ما تناولته بعض وسائل الإعلام وتم نفيه إسرائيلياً، لكن في هذا الإطار لم تتمكن منظومتا آرو - حيتس الإسرائيلية وثاد الأميركية من توفير مظلة كاملة فقد وصلت الصواريخ مناطق ومراكز مهمة فهل كان هذا جزءا من القرار ؟

وفي إطار التساؤلات لماذا سارع الرئيس الأميركي لإعلان وقف الحرب وهو الداعم الشديد لإسرائيل ونتنياهو ومشاريعه، فهل وقفت المنطقة على شفير كارثة بات يشعر بأنها ستفلت من بين يديه معاكسة لطبيعته بكراهيته للحروب كما قال ابنه ؟ وهل يستطيع الاقتصاد العالمي تحمل إغلاق مضيق هرمز ؟ وخاصة أن سيد البيت الأبيض يقيس السياسة بأرقام البورصة.

بداية حرب الاثني عشر يوماً كانت شديدة الوضوح وشديدة التوقع لكن نهايتها كانت شديدة الغموض وبعيداً عن التوقع لذا أغلب الظن أن هناك قدراً كبيراً من الخفايا لم تنكشف فما هي أسرارها ؟