نشر بتاريخ: 2025/06/27 ( آخر تحديث: 2025/06/27 الساعة: 10:24 )
رجب أبو سرية

ادعاءات النصر بين إسرائيل وإيران

نشر بتاريخ: 2025/06/27 (آخر تحديث: 2025/06/27 الساعة: 10:24)

رغم أن مشروع قرار مساءلة الرئيس دونالد ترامب، في مجلس النواب، الذي جرى يوم الثلاثاء لم ينجح، إلا أنه يفسر بشكل كبير إعلانه المفاجئ لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، رغم أنه ليس هو المخول بإعلان ذلك القرار نيابة عن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيلية، وبعد رد ايراني، أصاب الكبرياء الأميركي في مقتل، نقصد قصف قاعدة العديد الأميركية في قطر، والتي تعد أهم قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، وهذا له معنى واحد، وهو أن ترامب بعد ان خدع المشرعين الأميركيين بالذات بإعلانه الأسبوع الماضي، بأنه منح نفسه مدة اسبوعين ليفكر إن كان سيتدخل عسكرياً الحرب أم لا، لكنه أرسل طائراته بعد ذلك بأربع وعشرين ساعة فقط مرفقة بقرار قصف المفاعلات النووية الإيرانية بما فيها «فوردو» أهم مفاعل نووي ايراني، اي انه اكتفى بالتدخل بضربة خاطفة، دون الدخول في حرب طويلة الأمد.

في الحقيقة كان المراقبون قد رجحوا التدخل الأميركي بهذا الشكل، قبل يوم الأحد، اي قبل ان يعلن ترامب نفسه إطلاق عملية مطرقة منتصف الليل، وبعد عشرة ايام من بدء الحرب الساخنة بين إسرائيل وإيران، وذلك بشكل مخالف للدستور الأميركي الذي يجبر الرئيس على أخذ موافقة مسبقة من الكونغرس قبل ان يعلن الحرب على اية دولة اخرى، وبالتحديد حين لا يكون دخوله الحرب دفاعاً عن النفس، او رداً على عملية عسكرية معادية ضد الولايات المتحدة، الأمر الذي لم تقم به إيران، بل واكثر من ذلك، هو اعتدى على ايران من أجل إسرائيل وليس من أجل أميركا، واذا كانت الضربة الأميركية المباشرة ضد إيران، والرد الإيراني على العديد، قد كانا بمثابة خاتمة للحرب التي كان كل الشرق الأوسط يتخوف من وقوعها، وكذلك إدارة الرئيس السابق جو بايدن، فإن إعلان وقف إطلاق النار، ومن قبل ترامب بالتحديد، يعتبر مدخلاً لتقييم حرب استمرت 12 يوماً، بين اكبر قوتين عسكريتين في الشرق الأوسط، تدعي كل منهما بأنها حققت النصر، بعد إعلان وقف إطلاق النار!

في محاولة منا للاقتراب من نتيجة النصر والهزيمة هنا او هناك، لابد من الإشارة أولاً الى ان ذلك المفهوم قد اختلف تماماً، عما كان عليه حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، ففي تلك الحرب وقبلها كان النصر يعني أن يلحق طرف الهزيمة العسكرية الماحقة بالطرف الآخر، لدرجة ان يحتل ارضه ويسقط نظامه، وأن يفرض عليه صك الاستسلام، كما حدث مع الاتحاد السوفياتي والحلفاء الغربيين من جهة، ومع ألمانيا النازية واليابان من جهة ثانية، حيث ان كلا من ألمانيا واليابان تخضعان لمعاهدتي الاستسلام، والتي تتضمن تحديد المسموح به لهما من امتلاك السلاح، وحتى وجود قواعد عسكرية لمن كان عدواً على ارضها، كما هو حال الوجود الأميركي في ألمانيا حتى اليوم، أما في الحرب الباردة، فمجرد سقوط الأنظمة الشيوعية في شرق أوروبا، وتفكك الاتحاد السوفياتي اعتُبرا هزيمة للمعسكر الاشتراكي وانتصاراُ للمعسكر الرأسمالي في الحرب الباردة، ومثل هذه النتيجة لم تتحقق لا في إيران ولا في إسرائيل، وهذا يسمح لكلا البلدين الادعاء بأنه حقق النصر وألحق الهزيمة بعدوه !

لن نتعجل القراءة ونقول، بأن التنجية كانت لا غالب ولا مغلوب، بل نقول، بأن الطرفين قد تضررا نتيجة المواجهة العسكرية، وانطلاقاً من زاوية ان احدهما هو الذي بادر للدخول في المواجهة العسكرية، فإن تتبع إعلانه للأهداف التي من أجلها اطلق الحرب، هو المسار الصحيح للمقاربة التي نسعى اليها، ولا احد يختلف حول ان إسرائيل، كانت تسعى منذ زمن طويل الى شن الحرب على ايران، بحجة غزة أو من دونها، لكنها كانت تسعى لتلك الحرب بالمشاركة الأميركية، وخلال مسيرة عشرة أعوام مضت، يمكن القول بأن إسرائيل نجحت جزئياً هنا، وفشلت جزئياً هناك، باختصار فشلت في منع باراك أوباما من توقيع الاتفاق ضمن مجموعة الخمس+1 مع إيران عام 2015، لكنها نجحت عام 2018 في دفع ترامب لتعطيل العمل بذلك الاتفاق، ثم نجحت في افشال محاولة بايدن العودة للعمل به عام 2020، كما فعلت الأمر نفسه مع ترامب، خلال مهلة الـ 60 يوماً التي منحها للتفاوض مع ايران، بعد ان ذهب اليها ضد الرغبة الإسرائيلية.

ثم عادت إسرائيل لتكسب نقطة بإطلاق الحرب على إيران في اليوم الحادي والستين، متذرعةً بأن مهلة ترامب قد انقضت دون التوصل لاتفاق افضل من اتفاق 2015، فضلاً عن فرض الاستسلام بالتفاوض مع ايران، حيث تضمن المقترح الأميركي وقف ايران لتخصيب اليورانيوم بأية نسبة، اي حرمانها من حقها الطبيعي في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن حرب إسرائيل ظلت ناقصة دون التدخل الأميركي اللازم، لتحقيق الأهداف التي أعلنتها، وكانت تدمير محطات التخصيب النووي، وتدمير القوة الصاروخية الإيرانية التي اعتمدتها ايران كرادع للقوة الجوية الإسرائيلية التي تتفوق فيها منذ عقود على كل دول الشرق الأوسط مجتمعة، كذلك إسقاط النظام الإيراني، وقد قامت بتسمية العملية من أجل هذا الهدف باسم «الأسد العائد»، اي إعادة نظام بهلوي الامبراطوري الذي كان يحكم إيران قبل خمسين سنة، اي قبل ثورة الخميني التي أقامت النظام الحالي.

إيران بدورها لم ترفع اي شعار من خلال الحرب، وفقط قالت بأنها تسعى الى تحقيق معادلة الردع، والحفاظ على حقها بامتلاك الطاقة النووية، لا أكثر ولا أقل، فهل حققت اسرائيل أهدافها التي أعلنتها ام لا، وهل حققت إيران ما التزمت بتحقيقه تجاه حلفائها وشعبها ام لا ؟ هذا هو السؤال الذي يكشف عما آلت اليه الحرب، والتي لم تسقط من السماء على اي حال، بل جاءت في سياق حالة العداء بين الدولتين المستمرة منذ خمسين سنة، وبشكل أوضح منذ اربعين سنة، أي منذ ظهور المقاومة الشيعية اللبنانية في جنوب لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي له بعد عام 82، ودعم إيران بلا حدود لتلك المقاومة.

ومع إعلان ترامب وقف إطلاق النار، الذي كشف كما أشرنا، بأن أقصى ما يمكنه السير عليه هو تلك الضربة الخاطفة، وليس الانخراط في حرب طويلة الأمد مع ايران لصالح إسرائيل، سارع الإسرائيليون الى الإعلان عن تحقق الأهداف التي وضعوها لتلك الحرب، لكن عدم سقوط النظام، يؤكد بأن هدفهم بهذا الشأن لم يتحقق، أما قصف «العديد»، وقصف بئر السبع، الذي ادى لمقتل خمسة إسرائيليين وجرح العشرات، وذلك ليلة إعلان وقف إطلاق النار، يؤكد ايضا بان تدمير القوة الصاروخية لم يتحقق، فيبقى ما يخص مواقع المفاعلات النووية، وهذا الأمر غامض، ولا يمكن لأحد أن يعرف على وجه الدقة ان كانت كل المفاعلات قد تدمرت بالكامل، أي بنسبة 100%، أو انها تضررت بنسبة كبيرة او صغيرة، او ان الضرر تفاوت بين محطة واخرى، والأهم من كل هذا وذاك، أنه لا بد من القول، بأن إيران دولة عميقة ودولة كبرى اقليمياً، وإسرائيل تعلن منذ سنوات رغبتها في تدمير تلك المحطات، فلا يعقل بأن أيران كانت تعتمد فقط على القوة الصاروخية، وهي تعلم بأنه ليس لديها قوة الدفاع الجوي، التي من شأنها منع الطائرات الإسرائيلية من الوصول والقصف، وان صواريخها هي للرد بعد القصف، لذلك على الأرجح ان تكون قد اتخذت احتياطاتها منذ وقت طويل، خاصة وان لجان التفتيش لم تكن تصل تماما، بعد تعليق الاتفاق منذ عام 2018.

لذلك فإن ما يرجحه العقل، هو كما حدث مع منصات إطلاق الصواريخ التي استهدفتها الضربة الإسرائيلية الأولى، ورغم ذلك ظهرت الصواريخ بكل أنواعها في الرد بعد ذلك، ان إيران نسجت شبكة خداع للإسرائيليين بوضع منصات صواريخ وهمية، وفعلت شيئاً من هذا القبيل مع المحطات النووية، ومن السهل عليها ان تقوم بتخبئة اليورانيوم المخصب، والذي يقدر بنحو 500 كغم بما يصنع 10 قنابل نووية، كذلك أجهزة الطرد المركزي، في مواقع اكثر أماناً، وأبعد عن عيون التجسس، فيما مواقع المحطات هي التي تعرضت للقصف والضرر، وهذا ما تحدث عنه الرئيس الإيراني فور إعلان وقف اطلاق النار.

هناك ضرر لحق بإيران ان كان على مستوى القدرة على استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية بما يؤجل هذا الاستخدام، أياماً او أسابيع او أشهر، يرتبط الأمر بحجم الضرر، ومعالجته، كذلك لحق ضرر بإسرائيل، اقتصادي وسياسي ومجتمعي، ولم يتغير الشرق الأوسط، بل تحقق الردع، لذلك قد يكون وقف إطلاق النار مجرد استراحة محاربين.