نشر بتاريخ: 2025/06/30 ( آخر تحديث: 2025/06/30 الساعة: 19:12 )
أحمد رفيق عوض

لماذا يُصِّر ترامب على تبرئة نتنياهو؟!

نشر بتاريخ: 2025/06/30 (آخر تحديث: 2025/06/30 الساعة: 19:12)

الكوفية توسيع حلف أبراهام يفترض مسألتين ضروريتين، الأولى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، أما الثانية، فهو "الكلام" الغامض عن دولة فلسطينية دون "الكلام" عن إنهاء الاحتلال، ولهذا، تجد الرئيس الأمريكي يتدخل بطريقة غريبة، ولم تحصل في العلاقات بين الدول، من أجل تبرئة نتنياهو وإبعاد وصمة العار عنه، لتأهيله مرة أُخرى لخوض انتخابات جديدة والحصول على تفويض جديد من الجمهور الإسرائيلي، ونحن لا نعرف أبراهام، نحن نعرف النبي إبراهيم الذي كشف زيف مدينة كاملة وحطّم أصنامها وهو ما يزال شاباً غض الإيهاب، فحكموا عليه بالحرق حياً فأنجاه الله تعالى، فأصبح حكاية لا يمحوها الزمن، ولكن تجارب النبي العظيم لم تنته في أنه هزّ أركان مدينة وثنية كاملة، بل بحث عن معنى الله بعقله، فأتاه الوحي في قصة عكست قلق الإنسان الدائم وبحثه عن خالق الخلق باعتباره واجب الوجود، ولم تتوقف سيرة النبي إبراهيم ورحلته الروحية التي لا مثيل لها، فقد أمره الوحي في الحلم أن يذبح ابنه كدليل على إيمانه وصبره وتسليمه، فما كاد أن يفعل حتى تم افتداء النبي الوليد بذبح عظيم من السماء، وهي تجربة إنسانية فريدة من نوعها، قدّمت للجنس البشري كله ماهيّة العلاقة بين الإنسان وخالقه، وانتهى إبراهيم في رحلته الروحية الموحية التي تقدم النموذج الكامل للإنسان الباحث المفكر والمتأمل إلى أن يسأل عن كيفية الخلق، وكان أن تم تقديم الإجابة الإلهية النهائية أن الروح ترجع إلى خالقها محبةً واختياراً وخضوعاً وانقياداً، لهذا، أُعطى إبراهيم صحفاً كجائزة على بحثه وإيمانه وصبره، هذا هو النبي إبراهيم الذي نعرفه، نبياً وإنساناً ومناضلاً ومضحياً بجسده أولاً ثم بجسد ابنه من أجل مرضاة الله ليس إلا، وبالتأكيد، فإن نبياً مثل هذا لن يقبل الظلم ولا الضيم ولا غمض الحقوق ولا ضياع الأوطان، من حطم أصنام المدينة ذات يوم لن يقبل أن يٌقيم أصناماً جديدة أُخرى.

توسيع حلف أبراهام يَقصد دمج إسرائيل في المنطقة وقبولها والتعامل والتعاون معها دون الالتفات إلى حقوق شعب كامل يتم تجاهله وقمعه وحصاره وتجريده من كل الحقوق الإنسانية بحدودها الدنيا، ونحن هنا لا نقدم الدروس أو النصائح لأحد، ولكننا نحذر من أن الترتيب الرديء يقود إلى نتائج رديئة، من الواضح أن هناك تحركات دولية وإقليمية من أجل حلِّ ذي إطارٍ واسع تشارك فيه دول إقليمية أيضاً من أجل إعادة تشكيل المنطقة العربية والإسلامية عن طريق ما يسمى الآن السلام من خلال القوة، يعني بعد 21 شهراً من الحرب الضروس التي شنتها إسرائيل على ثماني جبهات وليس سبعاً، فإن إسرائيل مدعومة بالولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تحصد ذلك سياسياً، من خلال توسيع دائرة التطبيع مع العرب والمسلمين، وفي طريق تحقيق ذلك، لا بد من تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بوعودٍ كاذبة وترتيبات أمنية قاسية ومشاركة دولية إقليمية تضمن الإشراف والرقابة والمشاركة في عملية تغيير هائلة للبنية الاجتماعية والهيكلة السياسية والوعي والاتجاهات، وهذا يعني أن ما يسمى توسيع حلف أبراهام يفترض تغييراً نوعياً في المجتمع الفلسطيني يشمل إعادة الخيارات السياسية والهدوء الأمني والسيطرة على منابع التمويل وإعادة الأولويات من خلال برمجة أُخرى للوعي، وتفصيل هذا الكلام يعني الانقلاب على كل ما تم إنجازه حتى الآن، لا دولة ولا نهاية للاحتلال ولا تواصل جغرافياً، يرافق ذلك تدخل إقليمي وضم وطرد وهندسة ديموغرافية جديدة وجغرافية مختلفة، من خلال مستوطنات جديدة وشبكة طرق تخدم الأهداف الاستعمارية.

توسيع حلف أبراهام يفترض أن يكون نتنياهو في السلطة حتى عام 2028، ويفترض أن يتخلص من اليمين المتطرف واليمين الحريدي، ويفترض أيضاً أن يُبرَّأ أولاً ثم أن يأتي بالأمن والسلام معاً، ليتحول بعد ذلك إلى أول رئيس وزراء إسرائيلي يفعل ما لم يفعله حتى بن غوريون نفسه.

لماذا يتدخل ترامب لصالح نتنياهو بهذا الشكل الحديث والعنيد إلى درجة التهديد بالتمويل أو الدعم العسكري؟! ما الذي يدفع رئيس دولة عظمى إلى مثل هذا الموقف الغريب؟! هل هو الطموح الشخصي بأن يكون صانع سلام عالمياً؟ أم هو ضغط اللوبيات اليهودية والصهيونية؟ أم هي دوافع دينية يرى ترامب من ورائها أن يكون شخصية محورية توراتية في تاريخ "شعب مقدس" كما يدّعي؟ أم هي دوافع اقتصادية بحتة يريد من خلالها أن يجعل منطقتنا منطقة هادئة لاستغلال واستنزاف ثرواتها بهدوء، وتحويلها إلى محور اتصالات عالمية تغير طرق التجارة العالمية؟ أم أن الدوافع هي كل ما سبق ذكره آنفاً؟

أعتقد شخصياً أن هناك إنضاجاً لتسوية جزئية في قطاع غزة تريدها كل الأطراف، ترامب يريدها ليستكمل نجاحاته الدبلوماسية في الهند وباكستان وإيران والكونغو ورواندا، الجمهور والمعارضة الإسرائيلية تريدها، حتى أعضاء من حكومة نتنياهو يريدونها، ويبدو أن المستوى العسكري أيضاً يمهد للتسوية بالقول إن أهداف حملة عربات جدعون قد تم تحقيقها باحتلال ثلاثة أرباع القطاع، وأن استمرار هذه الحملة سيضر بالأسرى، وكأنهم اكتشفوا ذلك الآن، فهل محاولة تبرئة نتنياهو هي جائزة تقدم له من أجل القبول بهذه التسوية المُرة جداً في بلعومه؟

مهما كانت الأسباب، فإننا نحن الشعب الفلسطيني لن نكون الخاسرين في أي صفقة يتم التوصل إليها إقليمياً، قد نُظلم وقد نستبعد وقد تغمط حقوقنا، ولكننا بالتأكيد نؤمن بالنبي إبراهيم الذي قال للملك الكافر المعاند (إن الله يأتي بالشمس من المشرق فاِت بها من المغرب)، تماماً مثل يومنا هذا، هذا شعبي مظلوم ومقهور، ولكنه باقٍ.