نشر بتاريخ: 2025/07/09 ( آخر تحديث: 2025/07/09 الساعة: 14:02 )
أشرف العجرمي

هل تنشئ إسرائيل إدارة مدنية في غزة؟

نشر بتاريخ: 2025/07/09 (آخر تحديث: 2025/07/09 الساعة: 14:02)

من الواضح أن إسرائيل تتعثر في قطاع غزة، ومن الصعب على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن يعلن الانتصار الشامل طالما بقيت «حماس» في غزة حتى مع القوة الصغيرة التي تمتلكها، الآن، والقادرة على إيقاع خسائر في صفوف جيش الاحتلال. فالشروط الثلاثة لنتنياهو والمتمثلة بالقضاء على قوة «حماس» وتجريدها من السلاح، وإبعادها عن الحكم في غزة، وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في القطاع، لم تتحقق. حتى لو كانت إسرائيل قد قضت على معظم قوة «حماس» فلا تزال الحركة تقاوم وتؤذي الجيش الإسرائيلي. ولا تزال تسيطر بطريقة ما على جزء من قطاع غزة. ولا يمكن تحرير الرهائن والمحتجزين إلا بمفاوضات وشروط معينة تتنازل فيها إسرائيل.

الفشل الإسرائيلي الأكبر هو في عدم وجود تصور لليوم التالي في غزة. فطالما لا تنجح إسرائيل في خلق بديل لحركة حماس وطالما هي ترفض فكرة عودة السلطة الوطنية، التي تمثل البديل الطبيعي والمنطقي والمقبول عربياً ودولياً ضمن إجراء إصلاحات معينة، فالاحتمالات القائمة إما عودة «حماس» وإما احتلال إسرائيلي مستمر في ظل معارضة دولية متزايدة قد تصل لفرض عقوبات على إسرائيل في ظل انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني بصورة فظة وصلت إلى القتل جوعاً كما حاصل في هذه الأيام. عدا طبعاً عن كل الجرائم التي ترتكب على مدار الساعة. وهذا الرفض الإسرائيلي لعودة السلطة مرده بالأساس إلى رفض فكرة توحيد الضفة وغزة تحت حكم واحد يؤدي في نهاية المطاف إلى قيام دولة وطنية مستقلة. فعودة السلطة ستمكن المجتمع الدولي من البحث في استئناف العملية السياسية لتطبيق حل الدولتين الذي تعارضه إسرائيل بشدة وتعمل على تدميره.

الآن، بدأت تطرح فكرة إنشاء إدارة مدنية في غزة تتولى الإشراف على جوانب الحياة المدنية للمواطنين في غزة لحين تولي سلطة أخرى مقبولة إسرائيلياً المسؤولية في القطاع. وما نشر في موقع «واللا» العبري، أول من أمس، على لسان «مسؤول سياسي رفيع أنه «من المحتمل أن تتحمل إسرائيل المسؤولية المدنية في قطاع غزة لفترة زمنية معينة، وأن السلطة الفلسطينية لن تكون هناك» وأن منظومة الحكم ستدار من قبل فلسطينيين، يعبر بشكل واضح عن فشل محاولات إسرائيل في خلق إطار بديل للحكم في غزة ليستبدل «حماس». وظواهر من قبيل جماعة «أبو شباب» وغيرها ليست الحل. كما أن دخول قوات عربية لتحل محل جيش الاحتلال دون توافق حول اليوم التالي هو أيضاً أمر مستبعد. فالخطة العربية تقوم على تصور شامل لمرحلة ما بعد الحرب يضمن عودة السلطة في فترة زمنية ليست بعيدة لتحكم غزة.

والفكرة الإسرائيلية على ما يبدو مستوحاة من تجربة الإدارة المدنية التي يشرف عليها ضباط وموظفون تابعون لجيش الاحتلال ويعمل فيها موظفون فلسطينيون يقومون بالأعمال الإجرائية والميدانية بعيداً عن أي دور تقريري في أي شأن. ويبقى قطاع غزة بالكامل تحت الاحتلال والسيطرة الأمنية الإسرائيلية المطلقة حتى تنجح إسرائيل في إيجاد بديل يروق لها لتولي مسؤولية الإدارة المدنية بدلاً عنها. وهذا الحل غير مقبول على نخب إسرائيلية كثيرة لا تريد التورط في مسؤولية إدارة غزة والإنفاق عليها. خصوصاً أن هذا الخيار سيؤدي إلى تورط إسرائيل في غزة لفترة طويلة ولسنوات قادمة. وهذا يعني تكلفة مالية وأمنية وبشرية كبيرة. وهي غير مضمونة النجاح وقد تضطر في مرحلة ما إلى الانسحاب بدون شروط، كما حصل في لبنان.

يبدو أن إسرائيل لم تتعلم من تجاربها وتميل غالباً إلى تكرار الأخطاء فلا تجربة «روابط القرى» نجحت، ولا تجربة «جيش لحد» ولا أي صيغة احتلالية أخرى. وإسرائيل لم تجرب قط الانسحاب التام وخروج الاحتلال من حياة الناس وتمكينهم من ممارسة حياة طبيعية قائمة على الحق في الحرية والاستقلال. وكل خياراتها تدور حول تكريس السيطرة الاحتلالية. والعقلية التي تحكم إسرائيل، اليوم، تتراوح ما بين احتلال وضم وتهجير في وضح النهار وبين احتلال مع تحويل الحياة إلى معاناة مستمرة تؤدي إلى اليأس والهجرة الطوعية والتسليم ببقاء الاحتلال.

للأسف لا يوجد مشروع فلسطيني واقعي لمواجهة مشروع الحكومة الإسرائيلية القائم والمحتمل. وما عدا تكرار اللازمة المعروفة التي تتلخص بحل الدولتين، لا يوجد أي نقاش حقيقي للبحث في خيارات اليوم التالي من منظور وطني فلسطيني. ويجري الاكتفاء بالخطة المصرية - العربية لليوم التالي دون أي تحضير فعلي لعودة السلطة الوطنية في إطار توافق وطني شامل. وفقط يقتصر رد الفعل على القبول أو الرفض وفي كثير من الأحيان الصمت. ولم يتم فعل أي شيء يذكر لملء الفراغ القائم في غزة في ظل الحرب وضعف حركة حماس وحالة الفوضى التي يعيشها القطاع من غياب لمؤسسات الحكم والسلب والنهب وتعريض الناس لخطر الموت. وإذا بقي الوضع على حاله فلن يكون اليوم التالي سوى حالة من الفوضى وربما الاقتتال الداخلي مع بقاء الاحتلال بأبشع صوره.