هل يفعلها العرب هذه المرة؟!

طلال عوكل
هل يفعلها العرب هذه المرة؟!
بعد ثلاث أو أربع قمم عربية إسلامية منذ بداية حرب الإبادة الجماعية والتجويعية على الفلسطينيين في 7/10/2023، تتّجه الأنظار نحو القمة الجديدة التي تُعقد في الدوحة، اليوم، تسبقها توقعات عالية السقف بشأن تحول مهم في القرارات التي ستتخذها، لحماية كرامة وسيادة واستقرار الأوضاع في المنطقة.
الاعتداء الإسرائيلي الجوّي على الدوحة، بهدف التخلّص من وفد «حماس» المفاوض، يبدو أنّه فاجأ الجميع، باعتبار أن قطر دولة حليفة للولايات المتحدة الأميركية، وتحتضن قاعدة «العيديد» الأكبر في المنطقة، ولأن قطر دولة وساطة، وبعيدة عن محيط فلسطين، ولا تنطوي سياستها على عداء سافر للاحتلال.
المفاجأة تعني أن العرب عموماً والدول الإسلامية خصوصاً، لم تقرأ جيداً الأهداف الإسرائيلية، التي تتجاوز فلسطين، إلى الشرق الأوسط بأكمله، أو أنهم لم يأخذوا تلك الأهداف على محمل الجدّ.
أكثر من ذلك، فإن دول الخليج، ودول المنطقة المتحالفة مع أميركا، أو من تسمّى بـ»الدول المعتدلة»، سواء كانت تمالئها، أو تخشى الصدام معها، قد بنت توقعاتها وسياساتها، استناداً إلى ثقة عميقة، بأن أميركا ستقف بقوة أمام التزاماتها لحماية حلفائها من العرب، الذين وقّعت معهم اتفاقيات أمنية ودفاعية.
وبالرغم من ضرب المنشآت النفطية لـ»أرامكو» في السعودية، دون أن تفعل أميركا شيئاً لحمايتها، أو معاقبة من قاموا بذلك، فإن العرب لم يغيّروا سياساتهم.
لم يتعلّم العرب من دروس التاريخ التي تؤكّد أن فلسطين هي مفتاح الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط، وأنهم مهما فعلوا فإنهم لن يستطيعوا الفكاك من أثر الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي على أمن واستقرار أنظمتهم.
بعد خرائط بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الفاشية، حول «الشرق الأوسط الجديد» و»إسرائيل الكبرى»، لم يتغيّر الأمر، حيث الثقة بأميركا راسخة، والصراعات العربية البينية متفاقمة، وكل يبحث وحده عن خلاصه. بعد قطر، وسورية، ولبنان، واليمن، وتونس، والعراق، وفلسطين كل الوقت، بالإضافة إلى إيران، يعود نتنياهو ويهدّد بالعدوان على أي دولة تستضيف قادة المقاومة.
مائير مصري، المحلّل السياسي، المعروف في دولة الاحتلال، أطلق تهديدات مباشرة، بأن الدور قادم على تركيا. رئيس الكنيست «الليكودي»، أعلن بوضوح لمن تأخذه الغفلة، أن القصف الذي استهدف الدوحة، هو رسالة لكل الشرق الأوسط.
هل كانت دولة الاحتلال، ستجرؤ على قصف الدوحة، حيث القاعدة العسكرية الأكبر لأميركا، من دون أن تحصل على موافقة مسبقة، أو على الأقل، ضمان التغطية الأميركية؟
على الأرجح أن تغريدات ترامب اللاحقة للعدوان على قطر كانت تنطوي على قدر من الأسف، لفشل تحقيق أهدافه، أكثر منه أسفاً على استهداف دولة حليفة، إن لم تكن أميركا على علم مسبق، وراضية، وإن كانت تعارض مثل هذا العدوان الغادر الذي قال ترامب إنه يضر بمصالح بلده وإسرائيل، فلماذا تم تعطيل وإعماء الرادارات والدفاعات الجوية، والأسلحة الدفاعية الأخرى المتوفّرة في قطر بكثافة؟
بعد العدوان، سارعت الإدارة الأميركية، لاحتواء الموقف القطري، واستباق القمة العربية والإسلامية بجملة من التصريحات والوعود، بأن مثل هذا العدوان لن يتكرّر، وبأن أميركا ستكون عند التزاماتها بحماية أمن الخليج حتى لا ترفع القمة سقوف المواقف والإجراءات المرتقبة منها.
لم يصدق العرب، خصوصاً عرب الخليج، أن الخطر الداهم على أمنهم واستقرارهم، ليس مصدره أي دولة أخرى، وأن دولة الاحتلال هي التي تشكل ذلك الخطر والعدوان على كل منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك «المعتدلون»، ومن يعتبرون أنفسهم حلفاء لأميركا.
لا توجد حصانة لأحد في المنطقة، هكذا يقول نتنياهو ويفعل المطلوب لـ»الجنائية الدولية» فهو بعد نحو سنتين من حرب الإبادة الجماعية والتجويع على القطاع، وحرب الاستيطان والقمع والتدمير وإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، في الضفة والقدس؛ أيقن أن العرب ليسوا في وارد اتخاذ أيّ مواقف عملية أو سياسات يمكن أن تردع كيانه الكولونيالي.
قد لا يكون العرب قد أدركوا بعد، أنهم، مستهدفون، وأنهم سيؤكلون بعد أن سمحوا بأكل الثور الأبيض.
لقد ترك العدوان الإسرائيلي على قطر والتهديدات بمواصلة العدوان، العرب في حالة خوف وتوتر، لكنهم على الأرجح، سيبحثون عن الحماية مرّة أخرى، عَبر أميركا، بأن يدفعوا أثماناً أكبر مقابل تلك الحماية.
يكذب كما العادة نتنياهو حين يقول، «إن التخلّص من قادة «حماس» المقيمين في قطر سيزيل العقبة الرئيسة أمام إطلاق سراح جميع الرهائن، وإنهاء الحرب في غزّة»، ولا يفيده هذا التبرير للتغطية على إصراره على مواصلة الحروب في المنطقة.
دولة الاحتلال، لن توقف حربها الهمجية على غزّة، إلّا بتهجير واقتلاع سكّانها أو أغلبيتهم، وهو أمر متفق عليه مع الإدارة الأميركية، والأرجح أنها ستوسّع عدوانها على الضفة الغربية بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالاعتراف بدولة فلسطين.
من المهم جدّاً، الإشارة إلى أن تصويت الجمعية العامة بأغلبية ساحقة 142 صوتاً، مقابل اعتراض 10 أصوات، يعكس عزلة الحلف الصهيوأميركي.
من بين الدول الرافضة فقط 5 دول هي، أميركا، ودولة الاحتلال، والمجر، وباراغواي، والأرجنتين، تعتبر دول وازنة، بينما الدول الـ 5 الأخرى، بالكاد يعرفها الناس.
مرّة واحدة، ينبغي على القمة العربية الإسلامية، أن تتجاوز سقف خطابات الإدانة والشجب والقرارات المعطّلة، ومطالبة الآخرين بفعل ما عليها أن تفعله حتى يصدق الإنسان، أن العرب قد قرروا، وهم قادرون، على الاعتماد على أنفسهم لحماية أنفسهم، والدفاع عن كراماتهم ومصالحهم واستقرار شعوبهم، فهل يفعلونها هذه المرّة؟!