اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بفلسطين: كسر للصمت الغربي أم ورقة رمزية بلا أثر؟

اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بفلسطين: كسر للصمت الغربي أم ورقة رمزية بلا أثر؟
الكوفية في خطوة وُصفت بأنها تحوّل دبلوماسي لافت، أعلنت كلٌّ من بريطانيا وكندا وأستراليا اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، في لحظة مفصلية من تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي. هذه الخطوة، التي حملت رمزية سياسية وقانونية كبيرة، أثارت تساؤلات حول قدرتها على تغيير الواقع الميداني القاتم، أم أنها ستبقى مجرّد محاولة غربية متأخرة لإنقاذ «حلّ الدولتين» من الموت السريري.
تحوّل في معادلة الاعتراف
لأول مرة، تكسر دول غربية كبرى قاعدة «الاعتراف يأتي في نهاية المفاوضات». كندا دشّنت المشهد باعتبارها أول دولة من مجموعة السبع تُقدم على الاعتراف، لتلتحق بها أستراليا سريعاً، قبل أن تأتي بريطانيا – صاحبة الإرث الأثقل في القضية الفلسطينية – لتعلن أن «الوقت قد حان للاعتراف»، في قطيعة مع سياستها التقليدية التي ربطت الاعتراف بمفاوضات ناجحة.
أهمية سياسية وقانونية
هذا الاعتراف يمنح فلسطين دفعة دبلوماسية وقانونية مهمة؛ فهو يرفع مكانتها الدولية، ويعزّز حقها في الانضمام الكامل إلى المنظمات الأممية، ويفتح الباب أمام رفع مستوى التمثيل إلى سفارات رسمية. كما يوجّه رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي بات يعترف بفشل الصيغة السابقة التي استخدمتها إسرائيل غطاءً لتوسيع الاستيطان ونسف أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية.
الفجوة بين الرمزية والواقع
رغم الزخم السياسي، فإن الاعتراف لا يغيّر حقيقة أن الاحتلال ما زال يسيطر على الأرض، وأن الاستيطان يلتهم الضفة الغربية، فيما غزة مدمرة ومحاصَرة، والقدس تتعرض لتهويد ممنهج. الأخطر أن حكومة نتنياهو اعتبرت الخطوة «مكافأة للإرهاب»، ما يُنذر باستخدامها ذريعة لتصعيد التهويد وربما المضي نحو الضم الرسمي.
بريطانيا ومسؤولية التاريخ
لا يمكن فصل الموقف البريطاني عن تاريخها في فلسطين، منذ «وعد بلفور» عام 1917 وحتى الانتداب الذي مهّد الطريق لقيام إسرائيل. اعتراف لندن اليوم، وإن جاء متأخراً، يحمل بعداً اعتذارياً ضمنياً، لكنه لن يُعوّض الشعب الفلسطيني عن عقود من المعاناة والظلم ما لم يترافق مع ضغط سياسي واقتصادي يجبر إسرائيل على إنهاء الاحتلال.
التحدي الحقيقي: ما بعد الاعتراف
الخطر أن يتحوّل الاعتراف إلى خطوة شكلية، تريح الضمير الغربي من دون أن تُترجم إلى إجراءات ملموسة. لذلك، فإن الاختبار الحقيقي يكمن في:
توسيع الاعتراف ليشمل الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي.
فرض عقوبات واضحة على الاستيطان.
دعم انضمام فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة.
تفعيل المساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية على جرائم الاحتلال.
خاتمة
اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بفلسطين يشكّل لحظة فارقة، ورسالة سياسية بليغة بأن المجتمع الدولي بدأ يُدرك فشل رهاناته السابقة. لكنه سيبقى ناقصاً ما لم يتحوّل إلى قوة ضغط حقيقية تُجبر إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي، وتعيد للشعب الفلسطيني حقه المشروع في الحرية والدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.