نشر بتاريخ: 2025/10/06 ( آخر تحديث: 2025/10/06 الساعة: 10:29 )
عبد المجيد سويلم

بعد موافقة «حماس»، ماذا بعد؟

نشر بتاريخ: 2025/10/06 (آخر تحديث: 2025/10/06 الساعة: 10:29)

للإجابة عن هذا السؤال المهم أظنّ أن علينا البحث في دوافع الحركة لهذه الموافقة، والأهداف التي تتوخّاها.

بصرف النظر عن الآراء التي ترى في هذه الدوافع والأهداف، إمّا محاولة للتذاكي لن يكون من نتائجها أي نتيجة فارقة، أو هي محاولة ذكية في سياق غبي، أو متأخرة لا طائل من ورائها بعد أن «انتهت» المعركة، ولم يتبقّ منها غير بعض الرتوش الهامشية، بصرف النظر ولو مؤقّتاً عن آراء كهذه سيأتي اليوم على نقاشها، لأنها ليست في موقع الأولوية الآن، إضافةً إلى كونها فقيرة فكرياً وسياسياً، وهي «أصولية» من حيث جوهر الموقف، وهي نتاج مشوّه لذهنية مخلّفات المجتمع الأبوي والتي لا تخرج عن سياقات القبليات مسبقة الصنع والتصنيف، وفي سياقات القلق، وربما الخوف، وأحياناً الارتجاف من أن يصاب أصحابها، والحديث هنا يدور عن أصحاب تلك الآراء بصدمة جرّاء «خيبة الأمل» من انهيار كامل البنيان الذي بنوا عليه تلك الآراء طوال عامين كاملين من «تقديس» الواقع والدعوة بمثابرة يُحسدون عليها إلى «وحدانية» الانطلاق من وقائعه، في نزعة لافتة لقبول العيش، والصلاة، إذا دعت الضرورة في محراب عبوديته.

نعود الآن إلى سؤالنا: ما الذي تغيّر، وكيف سيتغيّر، وما الفرق بين أن يستمر الصراع، بما في ذلك استمرار حرب الإبادة حتى لو كانت بأشكال ووتائر جديدة ومختلفة، واستمرار مخطّطات التهجير والاقتلاع بأساليب جديدة، أيضاً، وربما «مبتكرة»، أيضاً؟

هنا بيت القصيد، وهنا مربط الفرس.

لماذا الفرق كثير هنا؟

السبب الذي يفترض أنه واضح وجليّ تماماً هو أن موافقة «حماس» على خطة ترامب، وبالشكل الذي ورد في ردها عليها، والتي تحولت إلى خطة نتنياهو بعد أن تخلّى ترامب عن الخطّة التي طرحها أثناء اجتماعه بالوفود العربية والإسلامية في البيت الأبيض إنما تعني أنها ترفض خطة نتنياهو، لكنها توافق على الخطة الأولى، بصرف النظر عن ضرورة التفاوض على آليات ومواعيد التطبيق.

هذا يعني أن «حماس» قد استجابت للخطة التي وافقت عليها الوفود العربية والإسلامية، وبذلك ضمنت لنفسها دعم هذه الوفود لها في حالة إن أعلنت الموافقة عليها.

فإذا كان هذا الأمر قد تحقق لها إلى درجة أن بعض المعلومات بالاستناد إلى مصادر عربية وإسلامية موثوقة، فإن المعركة تكون قد انتقلت إلى إدارة ترامب، وعليه هو أن يقرر إذا كان سيتمسّك بخطة نتنياهو، أم يعتبر ضمنياً أن موافقة «حماس» تشكل لترامب فرصة جديدة لإعادة الزخم للمبادرة أو الخطة، سيّما أنه كان يعرف حق المعرفة أن خطة نتنياهو قد تمّت صياغتها على الشاكلة التي سيستحيل على «حماس» قبولها.

والدليل الذي لا يقبل التأويل على كل ذلك أن ترامب قد اعتبر ردّ الحركة إيجابياً، والدليل الذي تلا ذلك مباشرة هو الإشادة العربية والإسلامية، والعالمية، أيضاً، بالرد الذي قدمته «حماس»، ثم ردود الأفعال الدولية، بما فيها الأوروبية.

وهنا نقلت الفكرة إلى الملعب الأميركي الإسرائيلي، وأصبح المطلوب هو أن يوافقوا على ما وافقت عليه الحركة أو رفضته مباشرة، لكن لماذا وافق ترامب على ما وافقت عليه «حماس»، أو أنه أبدى إشارات لا لبس فيها بكونها إيجابية، ويمكن أن يُبنى عليها؟

هنا أدّعي أن الإجابة عن هذا السؤال الأخير هي المفتاح لفك شيفرة الموقف الذي سيكون عليه الموقف الأميركي بعد إتمام مرحلة تبادل الأسرى.

دعونا نتصوّر لو أن ترامب رفض ردّ «حماس»، معتبراً إيّاه مناورة، الهدف منها كسب بعض الوقت، ومحاولة للتنصّل من استحقاقات الخطة كلّها. كيف كانت ستبدو الأمور الآن لو أن ترامب كان هذا هو ردّه وموقفه.

كان سيبدو نتنياهو في قمة النشوة، وكانت الوفود العربية والإسلامية وكل قياداتها ستعتبر أن ترامب قد باعهم، واستخفّ بهم، وأدار ظهره لهم. وبالتالي انتهت الخطة إلى فرض شروط نتنياهو على «حماس»، وتحول استسلامها الكامل هو «المخرج» الوحيد أمامها بموافقة ضمنية عربية وإسلامية، أو بعجزٍ كامل وشامل عن ردع نتنياهو.

وكان عليهم أن يتوقّعوا أن حرب الإبادة والتهجير هي البديل الوحيد والمباشر لرفض «حماس»، أو محاولة تملّصها من الخطة.

لو أن رد ترامب على موافقة «حماس» كان سلبياً لكان سيخسر كل الزخم الذي ادّعى لنفسه «شرف» القيام به، ولكان سيخسر «فرصته» الأخيرة في الظفر بـ»جائزة نوبل»، ويخسر إلى حد كبير الدعم العربي والإسلامي للخطة، وكان سيعزل نفسه، ويساهم أكثر في عزلة الدولة العبرية التي شارفت على الاختناق بعد المخازي التي مارستها ضد أسطول الحرية في المياه الدولية، وبعد العار الذي ألحقه بها إيتمار بن غفير.

ولكن قبل كل هذا، وأهمّ من كل ما ذكر، فقد كان ترامب سيخسر داخل أميركا ما هو أكبر وأهم من كل الخسارات التي أتينا عليها في وقت يشهد فيه المجتمع الأميركي تحوّلات لا يمكن تجاهلها نحو الانتصار لفلسطين، وحريتها ليس بشكل عام فحسب، وإنما داخل الحزب الجمهوري نفسه، وفي قلب القاعدة الشعبية الانتخابية المباشرة، والتي ما زالت تحميه، وما زالت هي حصانه الرابح الأكيد والوحيد في الاستحقاق القادم للانتخابات النصفية.

هنا علينا أن نتذكر أن الأصوات التي حصل عليها من الجاليات العربية والإسلامية، والتي كان معظمها نكاية بالمواقف المتصهينة التي مارسها جو بايدن، كما علينا أن نتذكّر، أيضاً، أن ترامب لو رفض موافقة «حماس» لما ضمن لنفسه أصوات اللوبيات الصهيونية والإسرائيلية في أميركا، كما يعتقد البعض، وذلك لأن جزءاً لا يستهان به من «اليمين الفاشي» يعتبرون الخطة الأميركية بنسختها التي كتبها نتنياهو بخطّ يده، كما ذكرنا في المقال السابق، تنطوي على أخطار كبيرة تتعلّق بالتوجهات نحو حلول سياسية في الإقليم من شأنها أن تشكّل عائقاً أمام أطماعها بحسم الصراع، وأمام مشروع «دولة إسرائيل الكبرى»، وأمام مشروع «الشرق الأوسط الجديد» بمفهوم الهيمنة الإسرائيلية عليه.

فهل يُعقل أن يذهب ترامب إلى مجاراة نتنياهو في استمراره بحرب الإبادة، والمضيّ قُدُماً في مخطّطات التهجير؟ ما الذي يحققه لنفسه، ولأميركا إذا ذهب بعيداً وراء نتنياهو؟

وبالتالي، فإن ترامب إذا كان هدفه هو «الحصول» على «الرهائن» أو الأسرى لكيّ ينقلب على الخطّة فيما بعد، فإنه لا يخدع إلّا نفسه، ولا يعزل إلّا نفسه، ولا يخسر إلّا من كيسه هو، وليس من كيس نتنياهو، ومهمة إرضاء الأخير تبدو عقيمة هنا، ولا تمتّ للمصلحة الأميركية بصلة، بل ولا تمتّ لمصلحة ترامب نفسه بصلة، وهو في كل الأحوال لن يتمكن مطلقاً من فرض «الانتداب»، ولا «الوصاية»، ولا «الإلحاق»، وسيضع نفسه أمام مخاطر جديدة لا أفق للخلاص منها، ولا مجال لفرضها، أو ستكون مهمة فرضها بكلفة عالية وعبثية. ولذلك فإن ردّ «حماس» الذي رأى فيه ترامب «تجديداً» لزخم الخطة هو رد مدروس بعناية، وجاء في الوقت المناسب، وسينقل الصراع إلى أشكال جديدة لا تختلف جوهرياً عن الواقع الذي تعيشه الضفة الغربية، والواقع الذي يعيشه جنوب لبنان في أقصى الاحتمالات، وهو واقع سيلغي التهجير الجماعي، وسيوقف حرب الإبادة، وسيؤدي إلى انكفاء الطموحات الفاشية الإسرائيلية، وسينقل المعركة بعد عدة أسابيع فقط إلى المجتمع الإسرائيلي، وسيفتح الإقليم على آفاق جديدة في البحث عن حلول سياسية.

وفي حال أصرّ نتنياهو على طريق الإبادة والتهجير بأشكال جديدة، فهو سيكون من دون ظهير حقيقي، داعم ومساند بصورة مباشرة، لا في العالم، ولا في الإقليم، في حين أن «حماس»، وقد أنجزت ما ترى أنها قد أنجزته في قلب الطاولة، وفي تحويل فلسطين إلى محور للكون كلّه، وفي التوجّهات الدولية بالاعتراف المتصاعد، والانتباه الخاص للحقوق الفلسطينية، وربّما، أيضاً، بإعادة فرض الوحدة الفلسطينية على أسس جديدة باتت أكثر من ضرورية لكافة الأطراف.

«حماس» وهي ترى أنها أنجزت كل ذلك، تستطيع الآن أن تنخرط في الواقع الوطني بقدر ما يكون هذا الواقع الجديد مستعداً لمواجهة القادم، وبقدر ما يكون هذا الواقع قد استوعب أن تضحيات الشعب الفلسطيني لم تذهب هدراً، وأنها مهما كانت كبيرة، وغالية فهي البداية الحقيقية، وليست المزيّفة للحرية الفلسطينية.