نشر بتاريخ: 2025/10/07 ( آخر تحديث: 2025/10/07 الساعة: 11:54 )

«النقد الذاتي بعد الهزيمة»

نشر بتاريخ: 2025/10/07 (آخر تحديث: 2025/10/07 الساعة: 11:54)

إذا بدأنا قراءة ما حدث حتى الآن بلغة موضوعية بعيدا عن إسقاط الرغبات، وبعيدا عن التبرير الذي يستبعد وجود أخطاء أو اختلالات في الفكر والممارسة، في هذه الحالة نكون قد وضعنا قدمنا على طريق النجاة والتعافي وإعادة بناء الذات والانطلاق، مجددا. أما إذا عكفنا عن ذلك، واعتبرنا أن كل ما فعلته المقاومة الإسلامية كان صحيحا من بداية الطوفان قبل عامين وحتى قبول مبادرة ترامب يوم 29 أيلول الماضي، في هذه الحالة، سنحكم على ما تبقى من عناصر القوة في الجسد والنفسية والإرادة الفلسطينية بالتلاشي وخاصة زخم التأييد والدعم والتعاطف وانحياز الرأي العام العالمي للحقوق الإنسانية والوطنية الفلسطينية، ونبذ الوحشية والعنصرية الإسرائيلية. حتى الآن، يبدو أن معظم النخب التي انحازت إلى استراتيجية وتكتيكات «حماس» لا تزال في الموقع ذاته. رغم وجود نهاية مأساوية صادمة تعاملت معها كما تعاملت مع كل فصول الحرب السابقة. في هذه المواقف، لا يجد المتابع تعبيرا أدق من التذيل السياسي لحركة حماس، قد يكون ذلك على خلفية العجز والبحث عن أي منقذ في مواجهة الاستباحة الإسرائيلية، وربما يأتي على خلفية فشل السلطة وأدائها السلبي وعجزها.

هل ستتوقف حرب نتنياهو الشاملة ضد الشعب الفلسطيني؟ وهل يستطيع ترامب إلزام نتنياهو بوقفها مدفوعا بالمكاسب التي سيحققها. وقف الحرب مبدئيا يعني وقف الاندفاعة الإسرائيلية نحو الإبادة والتدمير والتهجير والحل الفاشي للقضية الفلسطينية وفي ذلك مكسب كبير للشعب الفلسطيني عموما ولـ 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة. موافقة «حماس» على خطة ترامب ببنودها الـ 21 وفرت الشرط الفلسطيني لوقف الحرب. وقد جاءت موافقة «حماس» بعد غلق دائرة الضغوط عليها بانضمام قطر وتركيا لمبادرة ترامب وبدعم دول عربية وإسلامية وازنة وفاعلة. كان بديل موافقة «حماس» المزيد من المجازر والتدمير والترويع وصولا إلى التهجير والاحتلال والاستيطان.

موافقة «حماس» على خطة المبادئ التي قدمها ترامب تتضمن مطالب ورغبات لا ترقى إلى شروط تُقيد الموافقة. ما دفع ترامب إلى نشر رد «حماس» على صفحته في سابقة غير مألوفة، والإشادة «باستعداد الحركة لتحقيق سلام دائم» كما فهم ترامب من ذلك. كما أن قبول «حماس» بالشرعية الدولية وبإطار فلسطيني جامع - لا يمكن تسميته بغير المنظمة والسلطة -وضع أساسا للتغيير في موقف «حماس» إزاء الشرعيات الثلاث قد يكون تكتيكيا وعابرا.

خطة ترامب تبدأ بالإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء والأموات في مدى زمني محدد بـ 72 ساعة. وإذا ما تأخر تسليم رفات القتلى أو بعضهم الموزعين في أماكن شملها الدمار وتحتاج إلى المزيد من الوقت، أي تأخير مستقل عن رغبة «حماس» ستستخدمه حكومة نتنياهو لتبرير عدم الانتقال إلى تنفيذ البنود الأخرى. هكذا يرتبط تبادل الأسرى بوقف إطلاق النار ولا يرتبط بخطوات من البنود الأخرى كالسماح بدخول الغذاء والدواء والمعدات الطبية بمستوى حاجة قطاع غزة. وستتحكم حكومة الاحتلال بأسماء الأسرى الفلسطينيين الـ 250 أسيرا، ما لم يتدخل ترامب أو فريقه المفاوض. بعد أن قبلت «حماس» بالمبادرة بدون اشتراطات فإنها لا تستطيع تحويل المطالبات إلى شروط. ستكون أمام خيارين أحلاهما مر. إما أن توافق على الشروط الإسرائيلية، وإما أن ترفض وتعود إلى حرب الإبادة والتدمير بمواصفات فادحة الاختلال وشديدة الخطورة. يلاحظ أن إنهاء الحرب في خطة ترامب هو مجرد إعلان يمكن التراجع عنه، في كل الأحوال، يبقى الضغط العسكري قائما وتختلف شدته بحسب المزاعم الإسرائيلية. إن تجربة وقف الحرب في لبنان تبقى حاضرة حيث واصل جيش الاحتلال اعتداءاته وضغطه العسكري الذي تضمن اغتيال العديد من كوادر وأعضاء «حزب الله» دون انقطاع. وكان المبرر الذي تسوقه حكومة نتنياهو هو عدم تطبيق «حزب الله» للاتفاق.

البند الأساسي الثاني هو خروج «حماس» من الحكم لصالح مجلس وصاية يطلق عليه اسم مجلس سلام، يعتمد على إدارة فلسطينية تنفيذية من التكنوقراط مقبولة إسرائيليا، تنفذ ما هو مطلوب. ما ورد في خطة ترامب حول إشراك السلطة مرهون باستجابتها للشروط وقد يستخدم نتنياهو «حق النقض» وتعطيل مشاركتها أو تأخيره. تنطبق اللا جدية في هذا البند من خطة ترامب في إشراك السلطة، على النص الباهت فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية التي يناصبها نتنياهو وحكومته ومعارضته العداء والرفض. لم تؤدِ الحرب إلى إخراج «حماس» والسلطة من الحكم بل أدت إلى فرض نوع من وصاية خارجية أتت على بقايا الاستقلالية الفلسطينية التي نشأت في معمعان نضال وطني تحرري بدأ وصعد في خمسينيات وستينيات القرن العشرين.

البند الأساسي الثالث في مبادرة ترامب هو تحويل قطاع غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، وتدمير السلاح الموجود أو تسليمه لقوة دولية عربية، وخروج كوادر «حماس» والفصائل الأخرى أو بقاؤها بشروط أهمها التعهد بعدم مقاومة الاحتلال، أو تهديد الأمن الإسرائيلي. بند السلاح بعد تجربة الطوفان وحرب الإبادة والتدمير المريرة وتجربة محور المقاومة الذي تزعمته إيران، قد يكون الأقل خطرا، وخاصة بعد أن ثبت بالملموس أن شكل النضال الملائم مع خصائص الوضع الفلسطيني تحت الاحتلال هو النضال اللا عنفي الجماهيري المنظم. بعد فشل الكفاح المسلح عبر الخارج، وفشل انتفاضة الـ 2000 المسلحة، وفشل حرب المواجهة العسكرية عبر غزة وأخيرا فشل طوفان الأقصى. المشكلة أن إقصاء السلاح يأتي بقوة الإملاء والتدمير، ولم يكن طوعيا، وشتان بين أن يكون اختيار شكل النضال طوعا أو أن يكون بالإملاء والقوة.

ما بعد حرب الإبادة ليس كما قبلها، لم يعد الخطاب والاستراتيجية وشكل النضال والتحالفات والبنية والتكتيكات السابقة قادرة على التعاطي مع الكارثة ومخرجاتها المأساوية ومع مهمة الخروج من براثن وصاية خانقة. المراجعة والنقد والاعتراف بالأخطاء والقصور وبالهزيمة، والاستجابة وإعادة البناء ومحاسبة الذات. كل ذلك سيقرر إذا ما كان الوضع الفلسطيني قادرا على التعافي أم سيسمح بالمزيد من التفكك والإخضاع والتبعية.