نشر بتاريخ: 2025/10/09 ( آخر تحديث: 2025/10/09 الساعة: 11:10 )
عبد المجيد سويلم

فلسطين وسلاح الدمار الشامل!

نشر بتاريخ: 2025/10/09 (آخر تحديث: 2025/10/09 الساعة: 11:10)

لا تذهبوا بعيداً في العنوان. لكن لا تستغربوا، أيضاً، لأن فلسطين تمتلك فعلاً هذا السلاح منذ أن تحوّلت إلى محور هذا الكون، ومنذ أن انخرطت شعوب الأرض في حرب الدفاع عن حرية فلسطين، ومنذ أن أصبحت عنواناً للحقّ والعدل، ومنارةً ليس لتحرّرها فقط، وإنما منذ أن أصبح تحرّر هذه الشعوب يرتبط بصورة عضوية بحرية فلسطين.

هنا، وهنا بالذات حدث أكبر تحوّل في التاريخ المعاصر نحو عملية فريدة، وربما وحيدة في هذا التاريخ، وذلك لأن المشروع الأميركي «الغربي» الصهيوني يعيد حساباته، وبسرعة لافتة، ويحاول استدراك الكارثة التي ستلمّ به حتماً إذا لم يتراجع، ويراجع هذه الحسابات قبل فوات الأوان.

ونحن هنا لا نتحدث عن الشعور بالقلق من قبل هذا الثالوث الشيطاني، مهما حاول وداور وناور لدرء خطر العزلة السياسية، وحصار هذه الشعوب لمخطّطات هذا الثالوث، أو حتى بالخوف من زيادة تفاقم أزماته المركّبة والمتلاحقة لأن هذا القلق، وهذا الخوف ربما أصبح خلفنا الآن، وقد يكون الزمن، وقد تكون الأحداث والتطوّرات قد تجاوزته فعلاً، وإنما نتحدث عن حالة ارتباك هي ليست سوى شعور الخوف من السقوط لكل من غطّى وسهّل وموّل وسلّح دولة الاحتلال في حربها الإجرامية الإبادية ضد الشعب الفلسطيني في حرب لسنتين وما قبلهما، وذلك لأن وعي الشعوب وانتفاضها ضدّ هذا الثالوث لن يقف هنا، ولا عند هذا الحدّ من حرب الإبادة، وإنّما ستكون «المحاسبة» عليها بأثر رجعي على ما يبدو.

وفي مظهر جديد لهذا الشعور بالخوف والقلق وصلت الأمور إلى «مخاوف جدّية» من أن تنتقل الأمور إلى رفع الدعاوى ضد بعض القيادات الأوروبية، وستلحق بها القيادات الأميركية بهدف تقديم بعض هذه القيادات للمحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن هذه المحكمة بالذات هي جهة الاختصاص الدولية في محاكمة الأفراد الذين يرتكبون جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، بما فيها جرائم الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، وجرائم استخدام التجويع والحرمان من مقوّمات الحياة الإنسانية لأسباب وأهداف سياسية.

في إيطاليا وألمانيا أصبحنا أمام معطيات ملموسة، وتصريحات علنية، ويبدو أن الحبل على الجرّار، والتهمة هي إسناد الإبادة والسكوت عنها، ومحاولة الالتفاف على الحقائق والوقائع الخاصة بها.

هذا هو سلاح الدمار الشامل الذي باتت تملكه فلسطين، وهو سلاح مزدوج الفعالية والاستخدام.

فمن ناحية، هو سلاح ناعم وشرعي، وفي إطار ديمقراطي تحميه القوانين والدساتير، وهو بذلك يتفوّق على أسلحة القتل والإبادة التي يستخدمها ثالوث الشرّ الإجرامي، وهو من ناحية أخرى يصبح ويتحوّل إلى سلاح ليس في وضع التفوّق فقط، وإنما تزداد فعاليته بعشرات الأضعاف كلّما تغوّل محور وثالوث الشرّ في استخدام أسلحتهم القاتلة، كما يتفوّق بدرجات على الأسلحة الناعمة لهذا الثالوث عندما يقدّمون الدعم السياسي والإعلامي، وعندما يغطّون دبلوماسياً على جرائم دولة الاحتلال، وعندما يتغافلون عمداً عن كل ما تقوم به من توحُّش، وصولاً إلى التغاضي عن حالة تفشيّ الفاشية الجديدة مؤسّساتياً في الدولة العبرية وفي السلوك والممارسة، إضافة إلى التحريض الممنهج على الإبادة والإجرام، وهو سلاح المظلومين والفقراء والشرفاء، سلاح كل نبيل، وكل شريف يرفض القهر والاستعباد، ويقاوم حروب نهب الشعوب والسيطرة على مواردها، ويقاوم بما ملكت يداه هذا القدر من السطوة على مصائر البشرية بكل هذا الصلف، وبكل هذه القسوة والرعونة والعنجهية الساخرة.

وهو سلاح فرسان الحرّية، وقوى الخير، وقوى التقدّم الاجتماعي، وأحزاب ومنظمات المجتمعات التي تتوق وتحلم ببناء عالم خال من «حرية» القتل والإبادة، وعقلية وثقافة عصابات اللصوصية في نسختها الفاضحة والمفضوحة.

صحيح أن فلسطين دفعت من لحمها الحيّ ثمناً غالياً، بل وباهظاً حتى تمكّنت منه، وصحيح أن مليارات العالم كلّها ما كانت لتغيّر هذا العالم كما تغيّر حتى الآن، وكما هو على درجة أعلى فأعلى نحو مزيد من هذا التغيّر، وصحيح أن مخطّطات الثالوث الغاشم كادت تنجح أحياناً في تحويل الكارثة الإنسانية الفلسطينية إلى كارثة سياسية، لكن صمود شعبنا وتشبّثه بحقوقه وأهدافه، وبطولاته وشجاعته وإقدامه، وهذه الإرادة الفولاذية التي ظهر بها في مواجهة القتل والإجرام والإبادة، لكن الصحيح، أيضاً، أن البشرية الخيّرة قد كافأت شعبنا، وقدّمت له من الدعم والإسناد، وبصورة مثابرة تدعو إلى أعلى درجات الفخر والاعتزاز ما يفوق كل تصوّر، وما يتجاوز الأحلام، ناهيكم عن أيّ شكلٍ أو قدرٍ من التوقّعات.

هذا السلاح بشقّيه، سلاح بطولة الشعب الفلسطيني وإرادته الحرّة من جهة، وسلاح الانتفاضة العالمية الكبرى انتصاراً لشعبنا وتضحياته هو الذي أحبط مشروع الإبادة، ومشروع التهجير والاقتلاع، وسيكون هو سلاح إسقاط مشروع الثالوث الشرّير، ومشروع الرّافعة الكبرى لانتزاع الحقوق الوطنية لشعبنا العظيم في تقديم العطاء والتضحيات.

لا يُساورني شكّ بأن قطاعات واسعة من شعبنا في كل أماكن تواجده، ومن دون استثناءات يعتدّ بها، وبآرائها أصبحت تدرك أهمية ومحورية هذا السلاح بصرف النظر عن اختلاف هنا أو اجتهاد هناك، وأصبحت على قناعة تامّة أن التضحيات العظيمة التي قدّمها شعبنا لن تذهب هدراً، وأن فلسطين ربّما تعيش وتعاني من ويلات وأزمات، إلّا أنها أزمات الصعود، في حين أن أزمات الثالوث ليست سوى ولا يمكن ان تكون سوى أزمات السقوط، بقدر ما يتعلّق الأمر بأهدافهم المباشرة لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية، وربما بقدرٍ أكبر وأعمق وأبعد من ذلك، وبما قد يصل إلى دور الثالوث ومكانته في المعادلات الدولية كلّها.

ومن وحي هذا الإدراك الفلسطيني لدور وأهمية ومحورية الانتفاضة العالمية الكبرى، فإن المحافظة على هذا الزخم الهائل سيؤدّي أوّل ما سيؤدّي إلى أوّل محاولات جادّة لتوحيد الجهود الفلسطينية لاستمرار هذا الدعم العظيم، وأظنّ أن القيادات الرسمية باتت تدرك أن هذه الانتفاضة هي بمثابة خشبة خلاص حقيقية، وليست مزيّفة، وليست مجموعة من الوعود المعلّقة في الهواء، كما باتت تدرك باقي فصائل العمل الوطني الأهمية القصوى لوحدة الصفّ الفلسطيني على هذا الصعيد.

وإذا استمرّت القيادات من كل أنواع التيارات بسياسات المحورة البغيضة والمزيّفة، واستمرّ كل فريق بالمراهنة على «جماعته» فمن المؤكّد أن قطاعات واسعة من شعبنا ستفرض رؤيتها النابعة من مصلحته ومصلحة الوطن، وليس مزرعة هنا ومزرعة هناك من وطننا.

التلاحم الكفاحي الفعّال بين الحالة الوطنية الفلسطينية بقدر جدّي من وحدة الإرادة والجهود والأدوات مع الانتفاضة العالمية الكبرى ــ وهي بالمناسبة أكبر انتفاضة في تاريخ العالم كلّه ــ هو الكفيل بتغيرات هائلة ستطرأ على وحدة الحركة الوطنية الجديدة والمتجدّدة حتماً، ليس مؤسّساتياً فقط، وإنّما سياسياً وفكرياً وبرنامجياً، أيضاً.

هذا التلاحم والالتحام وعند درجة معيّنة من رفض الحكومة الفاشية الإسرائيلية لمبدأ الدولة الفلسطينية المستقلّة، وكذلك كل حكومة قادمة في المدى المرئي حسب الخارطة السياسية والحزبية في دولة الاحتلال سيؤدّي بالتأكيد إلى زيادة الضغط عليها، وعلى المجتمع الإسرائيلي بصورة متزايدة ومتصاعدة، بما قد يؤدّي إلى رفع شعار «الدولة الواحدة»، وذلك لأن مثل هذا الشعار، وتحديده كهدف فلسطيني لحلّ المسألتين الفلسطينية واليهودية معاً، بعد أن باتت دولة الاحتلال ليست مجرّد دولة عنصرية، وإنّما أخذت تكتسب يوماً بعد يوم الكثير من السمات الفاشية السّافرة.

وبالتالي يصبح للمرة الأولى الحديث والتفكير بـ»حل الدولة الواحدة» ممكناً وأكثر قابلية للنقاش الوطني النشط، بالتفاعل والاشتباك الفعّال والنشط، أيضاً، مع قيادات الانتفاضة الوطنية العالمية الكبرى.

هذه مجرّد إشارة لما يمكن أن تفرزه حالة الالتحام والتلاحم مع شعوب الأرض المنتفضة، وهناك عشرات المتطلّبات التي تسبق هذا كلّه والهادفة إلى إبقاء هذه الشعلة، شعلة التحرّر، شعلة فلسطين الحرّة والمستقلّة رايةً خفّاقة على امتداد العالم، على أن أُحاول تناول معالجة «الدولة الواحدة» كشعارٍ وهدفٍ في حلقات ومقالات قادمة، مع التركيز الخاص على استمرار جذوة هذا الزخم العالمي الجبّار.