قمة شرم الشيخ: نجاح مصري وعربي

أشرف العجرمي
قمة شرم الشيخ: نجاح مصري وعربي
انتهت قمة شرم الشيخ بتوقيع كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على وثيقة اتفاق غزة، والتي تنص على دعم الزعماء الكامل ووقوفهم خلف خطة الرئيس ترامب لإنهاء النزاع في غزة، والتزامهم بالعمل على «تنفيذ هذا الاتفاق بما يضمن السلام والأمن والاستقرار والفرص لجميع شعوب المنطقة بمن فيهم الفلسطينيون والإسرائيليون». وكان حجم ومستوى حضور القمة مثيراً للاهتمام، فقد حضرها عدد كبير من ملوك ورؤساء وأمراء، ورؤساء حكومات، ووزراء، وقادة، من مختلف أرجاء العالم. وشاركت من الدول العربية كل من فلسطين ومصر والأردن والعراق والإمارات والبحرين وسلطنة عمان والكويت، ومن أوروبا كل من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وأرمينيا والمجر واليونان وقبرص. بالإضافة إلى الولايات المتحدة وتركيا والهند وإندونيسيا وأذربيجان، والأمين العام للأمم المتحدة، وأمين عام جامعة الدول العربية، ورئيس المجلس الأوروبي. وشكل هذا الحشد الكبير تأكيداً دولياً واضحاً على ضرورة إنهاء الحرب على غزة، وإعادة بنائها، وتوفير سبل الحياة الكريمة لأهلها، وفتح الطريق أمام تسوية عادلة للصراع.
القمة شكلت عودة للرئيس ترامب عن مشروعه، ومشروع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لتهجير سكان قطاع غزة وتحويله إلى مشروع استثماري كبير تحت الاحتلال الإسرائيلي الدائم، وربما في ظل وجود مستوطنات إسرائيلية أو بؤر تابعة لإسرائيل، وفصله تماماً عن الشق الآخر من الوطن. وقد يقول قائل: إن هذا المشروع لم يدفن بعد، وربما هناك آمال بإحيائه أو تحويل خطة ترامب في النهاية إلى مشروع استثماري جديد، خصوصاً في ظل مشاركة شخصيات مثل توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق المعروف بماضيه الأسود. ولكن هنا لا بد من التأكيد على حقيقة مهمة للغاية، وهي أنه طالما سيبقى سكان قطاع غزة فيه ولن يهجّروا منه، فلا أمل لأي مشروع لا ينسجم مع حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني.
في الواقع، كان للدور العربي أهمية قصوى في ثني ترامب عن مخططه الغبي الخاص بإنشاء «الريفيرا» في غزة على أنقاض البلاد المدمرة والسكان المهجّرين. وفي هذا السياق، يحتل الموقف المصري أهمية قصوى في إفشال مشروع التهجير، ليس فقط لأن مصر أغلقت الحدود مع فلسطين ومنعت انتقال المواطنين إلى سيناء كما كانت إسرائيل ترغب في ذلك، بل كذلك لأن مصر هددت إسرائيل من مغبة أي محاولة لدفع الناس تجاه الحدود أو فتح ثغرة فيها. ودفعت بقوات كبيرة جداً إلى سيناء؛ حتى في إطار خرق اتفاقية السلام مع إسرائيل التي خرقتها الأخيرة باحتلال محور فيلادلفيا والاقتراب من الحدود المصرية. كما أن الموقف الأردني كان حازماً كذلك في رفض فكرة التهجير، واتخذت السلطات إجراءات مشددة لمنع نقل المواطنين من غزة إلى الأردن، إلا في إطار الحالات الإنسانية المقبولة والمتفق عليها.
لقد فهم الرئيس ترامب أن مشروع إسرائيل، الذي يتطابق مع مشروعه للاستثمار والسيطرة والاستحواذ على غزة، لن يكون مقبولاً عربياً، وأن الدول العربية كافة ترفضه وتحاربه. ولن تكون هناك تضحية بحقوق الشعب الفلسطيني ولا بالأمن القومي العربي. ولعل رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي الذهاب لواشنطن، ولقاء الرئيس ترامب هناك، كان مؤشراً قوياً على مدى صلابة الموقف المصري والعربي عموماً في معارضة التهجير وتغيير الواقع في قطاع غزة. واليوم يستطيع الرئيس السيسي أن يتنفس الصعداء بعد أن أتى ترامب إلى مصر على أساس المشروع المصري - العربي، وليس على أساس خطة ترامب السابقة. وعملياً، فإن التعديل الذي حصل على مشروع ترامب، وصولاً إلى خطته التي جرى اعتمادها، كان ثماراً لجهد عربي كبير. وأيضاً نتيجة لتغيّر الرأي العام الدولي دعماً للحق الفلسطيني، ووقوفاً في وجه حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وللعزلة الدولية التي فرضت على إسرائيل، وتضعضع مكانتها دولياً؛ بصفتها دولة تنتهك القانون الدولي وتمارس جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ما حصل في شرم الشيخ مهم للغاية، ولكن العبرة في التطبيق. وهنا تقع مسؤولية كبيرة على الجانب الفلسطيني في ضمان التنفيذ الكامل للخطة، وفي تطويرها إلى مشروع سياسي إقليمي ودولي ينتج في نهاية المطاف حلاً عادلاً للصراع الفلسطيني والعربي - الإسرائيلي، ويغير وجه المنطقة. وفي هذا الإطار، هناك واجب كبير على حركة «حماس» بأن تنفذ التزاماتها، وألا تفتح المجال أمام إسرائيل للتنصل من وقف الحرب والانسحاب الكامل من القطاع وإعادة بنائه. وهناك واجب على القيادة الفلسطينية الشرعية بأن تفي بالتزامها بإجراء الإصلاحات المطلوبة لكي تعود السلطة إلى غزة، ولكي توفر الشروط لتطبيق حل الدولتين. وأهم ما يمكن القيام به هو إجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية خلال عام من الآن. فهذا سيساعد الدول العربية وأصدقاءنا في العالم للدفع باتجاه السلام العادل والشامل الذي جرى الحديث عنه في قمة شرم الشيخ.