بعد ستين يومًا من الهدنة المؤقتة المتوقعة في قطاع غزة، سيقف المشهد الفلسطيني والإقليمي على مفترق طرق حاسم، حيث تتشابك أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية وإنسانية، في ظل متغيرات إقليمية ودولية عميقة تؤثر في مجريات الأمور، لم تعد غزة مجرد ساحة مواجهة محلية، بل أصبحت بوصلة اتجهات المعادلات الاقليمية المعقدة والمتغيرة .
أبعاد سياسية فلسطينية داخلية
تواجه الحالة الفلسطينية الكلية ،لا سيما حركة حماس والسلطة الوطنية، تحديات جوهرية على صعيد الشرعية والموقف الوطني الموحد، حماس التي تمكنت من فرض نفسها قوة ميدانية فاعلة، تجد نفسها مضطرة إلى الموازنة بين استمرار المقاومة والحفاظ على الدورالسياسي في مرحلة ما بعد الحرب،في المقابل تعاني السلطة من أزمة شرعية داخلية تعيق عودتها إلى غزة بشكل فعال ما يفاقم الانقسام ويزيد من تعقيد الموقف، الموقف الفلسطيني الموحد يبدو أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى بل ضرورة ومتطلب اجباري ، فغياب الوحدة قد يقود إلى تمرير حلول خارج الإرادة الوطنية، تُفرغ القضية من مضمونها السياسي والوطني والقانوني .
أبعاد أمنية
يتمثل نجاح أي اتفاق تهدئة بضمانات أمنية مستقبلية صارمة تحكم تنفيذ بنوده اما لصيرورة حتى الاعلان الرسمي لوقف اطلاق النار واما لسناريوهات متعددة ، المقترح المصري القطري الأخيرللتهدئة لمدة 60 يوما والمستند لمقترح ويتكوف الاخير ،فية مقدمات مهمة خلال هذة الفترة على طريق المفاوضات والتنفيذ ، فعملية تبادل اسرى وادخال المساعدات وديناميكية انهاء الحرب بشكل كامل في اطار ما يوفرة من هامش زمني محدود ، والذي تلقى موقفًا إيجابيًا حذرًا من حماس في 4 يوليو 2025، الان الاتفاق يتضمن في جوهرة آليات مراقبة وإدارة أمنية دولية وإقليمية، بإشراف أميركي واضح، تدخل الولايات المتحدة بقيادة الرئيس ترامب قد يشكل ضمانة لضبط الأوضاع، لكنه يطرح تساؤلات حول قدرة الفصائل على الحفاظ على نفوذها العسكري والسياسي في ظل محاولات إضعاف دورها ان لم يكن انهائة .
الأبعاد الإقليمية والدولية
شهدت المنطقة تحولات استراتيجية عميقة، اخرها وأبرزها الحرب الإيرانية–الإسرائيلية التي أدت إلى ضربة للبرنامج النووي الإيراني، مما يعتبرة البعض انة أعاد رسم موازين القوى في الشرق الأوسط في ظل هذه الخلفية، تسعى إدارة ترامب إلى توسيع اتفاقيات أبراهام وتحويل غزة إلى ملف محوري في ترتيب إقليمي جديد،مواقف دول الخليج تتفاوت بين التحفظ السعودي، والبراغماتية الإماراتية، والوساطة القطرية التي تحاول الموازنة بين دعم القطاع والحفاظ على علاقات دولية متينة،الأمم المتحدة والفاعلون الدوليون يراقبون المشهد بقلق، خصوصًا مع تصاعد احتمالات تفكك القضية الفلسطينية في ظل التدخلات الخارجية المكثفة.
البعد الإنساني والاقتصادي
رغم الهدنة المؤقتة ، يظل الوضع الإنساني في غزة هشًا للغاية، إعادة الإعمار مرهونة بالضمانات الأمنية والسياسية ونتائج الحرب وصورتها النهائية ، ما يجعل التمويل الدولي مرتبطًا بشروط قد لا تتفق مع طموحات السكان الفلسطينيين، الفقر والبطالة وندرة الخدمات الأساسية تزيد من تعقيد المشهد الاجتماعي، وتفرض تحديات كبرى على استقرار القطاع في المستقبل القريب.
السيناريوهات المستقبلية والخيارات الفلسطينية
في ظل هذه المعطيات، تتبلور عدة سيناريوهات ممكنة:
الاول :فرض إدارة مؤقتة بإشراف إقليمي ودولي، قد تُبعد حماس تدريجيًا، وتُسوّق "التهدئة مقابل التنمية"، مع مخاطر فصل غزة عن المشروع الوطني الأوسع.
الثاني:فشل التفاهمات والمفاوصات حول اليوم التالي في اطار الخطة العربية المصرية وعودة التصعيد، في حال لم تحقق الحصيلة الأمنية والسياسية مصالح الفصائل، أو تعثرت الوساطات وتعود اسرائليل لتجديد الحرب على القطاع .
الثالث:توافق فلسطيني إقليمي دولي، يتطلب توافقًا داخليًا فلسطينيًا قويًا، وتنازلات إقليمية، قد يفضي إلى حل أكثر شمولية.
وعلية يمكن القول ان غزة اليوم ليست ساحة معركة فحسب، بل ميدان لتحديات مصيرية في سياق إقليمي متغير، مسؤولية الفلسطينيين تتضاعف في حماية المشروع الوطني من خلال وحدة موقف، واستثمار الفرص السياسية المتاحة، ورفض الحلول الجزئية التي قد تفرغ القضية من جوهرها، الوقت لا ينتظر، وفرصة المشاركة الفاعلة في صناعة الترتيبات المستقبلية هي آخر بطاقة للحفاظ على الحقوق والثوابت الوطنية .