الغارديان: خطة نقل الغزيين قسريًا نموذج لـ "جرائم ضد الإنسانية"
نشر بتاريخ: 2025/07/08 (آخر تحديث: 2025/07/08 الساعة: 21:32)

غزة - أشعلت خطة أعلنها وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس جدلاً واسعاً، بعدما كشف عن ترتيبات لنقل جميع سكان قطاع غزة قسرياً إلى معسكر ضخم سيُقام على أنقاض مدينة رفح، في مشروع يصفه خبراء قانونيون وأكاديميون بأنه لا يقل عن كونه «جريمة ضد الإنسانية» ويثير أشباح التهجير الجماعي والتطهير العرقي في المنطقة.

في تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام عبرية، قال كاتس إنه أعطى تعليمات للجيش الإسرائيلي للشروع في إقامة ما سماه «مدينة إنسانية» فوق أنقاض رفح، حيث سيُجمع الفلسطينيون فيها بعد إخضاعهم لـ«فحص أمني» مشدد، ولن يُسمح لهم بمغادرتها بعد دخولها.

وبحسب ما أوردته صحيفة «هآرتس» العبرية، فإن الخطة تستهدف في مرحلتها الأولى نقل نحو 600 ألف فلسطيني من منطقة المواصي، وهم بمعظمهم من النازحين الذين فروا من مناطق القتال داخل القطاع، على أن يُنقل لاحقاً باقي سكان غزة إلى المخيم الجديد، تمهيداً لما أسماه كاتس «خطة الهجرة» التي وصفها بأنها ستتحقق حتماً.

معسكر اعتقال لا «مدينة إنسانية»

أكدت صحيفة الغارديان البريطانية أنه على الرغم من التسمية التي أطلقها كاتس على المخيم الجديد، إلا أن خبراء قانونيين حذروا من أن ما يتم التخطيط له ليس سوى معسكر اعتقال واسع النطاق.

وقال المحامي الإسرائيلي البارز في مجال حقوق الإنسان، مايكل سفارد، إن خطة كاتس تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، واصفاً إياها بأنها «خطة تنفيذية لارتكاب جريمة ضد الإنسانية».

وأضاف سفارد: «يتعلق الأمر بنقل السكان إلى أقصى جنوب قطاع غزة كخطوة أولى نحو طردهم خارجه. بينما تصف الحكومة الإسرائيلية التهجير بأنه طوعي، فإن الظروف القسرية التي يُجبر فيها الفلسطينيون على مغادرة منازلهم تنفي تماماً أي طابع طوعي لهذا التهجير».

وأوضح سفارد أن التهجير القسري يمثل جريمة حرب في سياق النزاعات المسلحة، وإذا ارتُكب على نطاق واسع، فإنه يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية.

وتتناقض خطة كاتس بشكل صارخ مع تصريحات سابقة للجيش الإسرائيلي، الذي كان قد زعم أن عمليات النزوح داخل غزة تهدف إلى حماية المدنيين وليس إلى تهجيرهم أو تركيزهم في منطقة واحدة تمهيداً لإبعادهم خارج القطاع.

تكرار لخطط مطروحة سابقاً

تشير تقارير إلى أن خططاً مشابهة لما يطرحه كاتس عُرضت سابقاً على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في إطار مقترحات لإقامة «مناطق عبور إنسانية» داخل غزة أو حتى خارجها، تمهيداً لترحيل الفلسطينيين بشكل جماعي.

ونقلت وكالة «رويترز» عن مصادر مطلعة أن خطة بقيمة ملياري دولار تحت مسمى «مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)» عُرضت في البيت الأبيض، إلا أن المؤسسة الأميركية نفت أي علاقة لها بتلك الخطة أو أنها أصدرت الوثائق التي اطلعت عليها الوكالة.

وقال البروفيسور آموس جولدبرج، مؤرخ الهولوكوست في الجامعة العبرية في القدس، إن تصريحات كاتس تشكل إعلاناً واضحاً عن مشروع للتطهير العرقي.

وأضاف: «الوزير يتحدث صراحة عن إنشاء معسكر اعتقال أو معسكر عبور للفلسطينيين قبل طردهم. ليست هناك أي ملامح لمدينة في هذا المشروع؛ المدينة تعني اقتصاداً وحياة اجتماعية ومؤسسات تعليمية وصحية، بينما ما يُخطط له هو مجرد مكان احتجاز».

وشدد جولدبرج على أن هذه الخطة تطرح تساؤلات خطيرة حول مصير الفلسطينيين الذين سيرفضون الانصياع للأوامر الإسرائيلية. وقال: «ماذا سيحدث إذا رفض الفلسطينيون هذا المخطط وقرروا التمرد؟ فهم ليسوا عاجزين تماماً».

أهداف سياسية وخلفية دولية

يأتي الكشف عن خطة كاتس في وقت حساس سياسياً، بالتزامن مع زيارة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن لعقد اجتماعات مع دونالد ترمب، وسط ضغوط أميركية متزايدة للدفع نحو وقف إطلاق النار أو على الأقل تهدئة مؤقتة في الحرب المستمرة منذ 21 شهراً.

وقال كاتس إن تنفيذ «المدينة الإنسانية» قد يبدأ أثناء فترة وقف إطلاق النار، وإن نتنياهو يقود مساعي لإيجاد دول مستعدة لاستقبال الفلسطينيين.

وفي تصريحات من البيت الأبيض، قال نتنياهو إن (إسرائيل) وأميركا تعملان مع أطراف دولية أخرى لإتاحة «مستقبل أفضل» للفلسطينيين، ملمحاً إلى إمكانية مغادرتهم القطاع إذا اختاروا ذلك، على حد زعمه.

لكن مراقبين يؤكدون أن هذه التصريحات ما هي إلا محاولة لتسويق مشروع ترحيل قسري مغلف بشعارات إنسانية.

وقال سفارد: «إن الحديث عن الاختيار الحر للفلسطينيين ليس إلا ذريعة لإخفاء حقيقة أن الظروف التي يعيشها هؤلاء الناس تجعل أي مغادرة قسرية وليست طوعية».

ومع تصاعد الدعوات الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة خلال حرب غزة، يرى خبراء أن الخطة الإسرائيلية الجديدة قد تضيف ثقلاً قانونياً جديداً إلى الاتهامات الموجهة لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

في حين يخشى الفلسطينيون والمنظمات الحقوقية أن يمضي المشروع قدماً، في ظل الدعم السياسي الذي قد تحظى به إسرائيل من بعض العواصم الغربية، رغم بشاعة المخطط وآثاره الإنسانية الكارثية.