دحلان بين حل الدولتين والدولة الواحدة.. قراءة متأنية
نشر بتاريخ: 2025/09/07 (آخر تحديث: 2025/09/07 الساعة: 17:13)

منذ أيام انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع مجتزأة من تصريحات القيادي الفتحاوي محمد دحلان صُورت وكأنها انقلاب على المواقف الفلسطينية، وأنه يتقاطع مع رؤى اليمين الإسرائيلي المتطرف.

لكن الحقيقة حين نضعها في سياقها السياسي والتاريخي تكشف صورة مختلفة تماماً، لأكثر من ثلاثة عقود كان دحلان من أبرز الداعين لحل الدولتين، باعتباره الإطار السياسي والقانوني الدولي الذي أقرته مواثيق الأمم المتحدة، ووافقت عليه الغالبية الساحقة من دول العالم، حيث كان ذلك خياره الذي دافع عنه في كل المحافل "الدولية والعربية والإقليمية".

ومع تعاقب الحكومات اليمينية المتطرفة، التي لا تؤمن بعملية السلام، والتي عملت على تقويض فرص إقامة دولة فلسطينية، من خلال مصادرة الأراضي، والسماح بتمدد الاستيطان على حساب أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، لم يعد هناك أي بارقة أمل لإمكانية تجسيد الدولة الفلسطينية على أرض الواقع.

في ظل هذه الأجواء، وفي ظل غياب الضغط الدولي على دولة الاحتلال لكبح جماح الاستيطان، وإجبار الحكومة الاسرائيلية على العودة لعملية التسوية، وفي ظل تخلي الإدارة الأمريكية عن خيار الدولتين، بدأ دحلان ومعه بعض السياسيين بطرح فكرة حل الدولة الواحدة، رغم يقينه بأنه هذا ليس الخيار الأفضل، بل كخطوة سياسية خارج توقعات حكومة الاحتلال، التي تدرك بأن هذا الخيار لن يكون في صالحها على المستوى الاستراتيجي، دولة لكل مواطنيها قد تشكل خطر مستقبلي على دولة الاحتلال، خاصة في ظل "اختلال العامل الديمغرافي".

قد يكون طرح خيار الدولة الواحدة شكل صفعة للاحتلال، ووضعه أمام خيارين أحلاهما مُر: إما دولة واحدة الحقوق، وهو ما يرفضه التيار الصهيوني بالكامل، لأنه يعني نهاية فكرة "يهودية الدولة"، أو استمرار الاحتلال بما يحمله من عنصرية وتمييز، الأمر يشكل فضيحة لإسرائيل أمام العالم، باعتبارها نظام فصل عنصري مكتمل الأركان.

يمكن تلخيص إيجابيات هذا الطرح النقاط التالية:

* وضع الإسرائيليين في مأزق حقيقي.

* إنهاء حقبة الاستعمار الاستيطاني عبر المساواة الكاملة بين مواطني الدولة الواحدة.

* كسر زيف الادعاء الإسرائيلي بأنها دولة ديمقراطية.

* إعادة تعريف الصراع أمام المجتمع الدولي على أنه معركة حرية وحقوق مدنية لا مجرد نزاع حدودي.

وبالمقابل لا يمكن تجاهل التحديات الضخمة التي تواجه هذا الطرح، والتي يمكن سردها على النحو التالي:

* الرفض الإسرائيلي القاطع لأي مساواة حقيقية.

* الفجوة العميقة بين الشعبين بعد عقود من الدم والتهجير.

* الصراع على هوية الدولة مدنية ديمقراطية، أم قومية يهودية؟.

يمكن القول بأن ما طرحه دحلان ليس تنازلاً، بل يمكن اعتباره إعادة تموضع سياسي، يحاول محاصرة إسرائيل بخياراتها، ويُحرجها أمام الرأي العام العالمي، هو أقرب إلى ورقة ضغط ذكية لا إلى برنامج نهائي.

باعتقادي أن دحلان لم يتبنى رؤية سموترتش، أو غيره من المتشددين الإسرائيليين، بل قدّم مبادرة سياسية في لحظة انسداد كامل للأفق السياسي، هو يحاول أن يطرق جدار الخزان، بأن يقول للعالم إذا سقط حل الدولتين، فلتكن دولة واحدة بحقوق متساوية، ليغلق الباب على زيف ادعاء الاحتلال الذي يختبئ وراء الشعارات، والسردية الكاذبة.

الله غالب