إنذار ترامب الأخير: مشروع أميركا وإسرائيل
نشر بتاريخ: 2025/09/10 (آخر تحديث: 2025/09/10 الساعة: 17:41)

أول من أمس كان يوماً قاسياً على إسرائيل: عمليتان قُتل فيهما عشرة أشخاص منهم أربعة جنود قتلوا في دبابة في جباليا وستة في إطلاق نار على حافلة ركاب في القدس. وهذا يأتي في وسط تضارب أنباء حول سير المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة «حماس»، حيث يدّعي الرئيس دونالد ترامب أنه يجري مفاوضات «مكثفة للغاية» مع «حماس» وأن خطته التي عرضها على إسرائيل و»حماس» قد لقيت موافقة إسرائيلية وبانتظار موافقة الحركة، وأن هذا إنذار نهائي وفرصة أخيرة، وفي حال الفشل سيصبح الوضع «سيئاً للغاية». وعملياً يحمّل ترامب «حماس» مسؤولية الفشل في التوصل لاتفاق بناء على مقترحه الجديد الذي يتخلى فيه عن مقترح مبعوثه ستيف ويتكوف الذي ينص على صفقة جزئية حول نصف عدد الأسرى.

خطة ترامب الجديدة تقوم على صفقة شاملة لوقف إطلاق النار، يجري في إطارها تحرير كل الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة الأحياء والأموات دفعة واحدة في اليوم الأول مقابل الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين يتراوح ما بين 2500 إلى 3000 أسير، مع تعهد قاطع من الرئيس ترامب شخصياً بعدم استئناف القتال في الفترة التي تلي تنفيذ عملية الإفراج والتي تتخللها مفاوضات مستمرة حتى الاتفاق الشامل والنهائي. ولا يوجد أي حديث عن انسحاب إسرائيلي أو تغيير لانتشار الجيش في قطاع غزة. وفقط ستتوقف إسرائيل عن استكمال عملية «عربات جدعون 2»، بدون أية تفاصيل عن الأمور الأخرى التي كانت شروطاً لحركة «حماس».

رد «حماس» في يوم الأحد الماضي في التصريح الصحافي الصادر عن الحركة تضمن التأكيد على شروطها السابقة مقابل الإفراج عن كل المحتجزين والتي تشمل: وقف الحرب والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وتشكيل لجنة من المستقلين لإدارة القطاع وضمانات لالتزام إسرائيل بشكل «معلن وصريح»، حتى لا تتكرر التجارب السابقة التي تنقلب فيها الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق كما حصل في 18/8/2025. وأعلنت الحركة أنها على اتصال مستمر مع الوسطاء من أجل تطوير هذه الأفكار إلى اتفاق شامل. ومن الواضح أن «حماس» تعلم أنه بعد هذه الصفقة ستكون مطالبة بالتخلي عن سلاحها كشرط لإنهاء الحرب.

وإلى حين موافقة «حماس» على العرض الأخير لترامب تتواصل العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، وقد حددت لها أهدافاً معينة منها: تدمير واحتلال مدينة غزة والمناطق التي لم تدخلها قوات الاحتلال بالسابق في محافظة الوسطى، والوصول إلى ما تقول عنه إسرائيل معاقل «حماس» وقائد قواتها عز الدين الحداد، والوصول إن أمكن للأسرى الإسرائيليين وتحرير ما تستطيع منهم. وتدمير الأنفاق، وتهجير السكان من كل مناطق شمال قطاع غزة ومدينة غزة الكبرى حتى محور «نتساريم» وإقامة معسكرات خيام للنازحين الجدد في منطقة الجنوب. ولا يريد ترامب التدخل في وقف العملية، بل هو يحث إسرائيل على الإسراع في الحسم عل ذلك ينهي الحرب بشروطه.

في الواقع، تلتقي مصالح ترامب مع مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تغيير الواقع في غزة بعد الحرب، لجهة إخلاء غالبية مناطق قطاع غزة من السكان وترحيل نصفهم على الأقل حسب ما تحدث به نتنياهو وتحويل القطاع إلى منطقة تطوير اقتصادي وسياحي من الدرجة الأولى «ريفيرا» -على حد تعبير ترامب. وهذا يتأتى فقط باستمرار الحرب واستكمال عملية التدمير لأكبر مساحة ممكنة من قطاع غزة. وليس واضحاً ما إذا كان حديث ترامب عن صفقة شاملة لوقف الحرب يتضمن التخلي عن مشروعه لغزة أو أنها ستكون خطوة أولى لتطبيق هذا المشروع الذي يتضارب مع الخطة العربية لليوم التالي والمقبولة دولياً على نطاق واسع. والمهم في هذا السياق هو أن ترامب غير موثوق ولا يمكن الاعتماد على مواقفه، وربما هذا ما يخيف «حماس» في التعاطي مع الضمانات التي يعرضها لاستمرار وقف إطلاق النار بعد الإفراج عن الأسرى.

لكن، وبعيداً عما تفكر فيه كل من إسرائيل وأميركا، الأولوية هي بدون أي شك لوقف الحرب بأي ثمن، فالتوصل إلى وقف لإطلاق النار يحمي المواطنين من القتل ويمنع تدمير ما تبقى من قطاع غزة، هذا يتقدم على كل شيء آخر. كما أن لهذه العملية ديناميتها الخاصة لاستدعاء التدخلات الدولية للدفع باتجاه إنهاء الحرب. بمعنى أن حركة «حماس» بإمكانها اختصار الطريق بل وقطعها على كل من إسرائيل والولايات المتحدة، من خلال الموافقة على الشروط العربية والدولية لليوم التالي في غزة، وبالذات فكرة التخلي عن السلاح وتسليمه لقوة عربية أو لأي طرف تقبل فيه. هذا الشرط بالذات كفيل بوقف الحرب ووضع إسرائيل في الزاوية وإفشال مخطط التدمير والتهجير الذي تسعى إليه إسرائيل ويتوافق مع مصلحة ترامب وتفكيره المجنون.