الاعتراف بدولة فلسطين وبداية التغيير
نشر بتاريخ: 2025/09/23 (آخر تحديث: 2025/09/23 الساعة: 16:31)

قال رئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ: «بسبب الهولوكوست كان لدى إسرائيل «بنك» سياسي منحها رصيدا غير محدود رسّخ إسرائيل كحالة استثنائية يُسمح لها بكل شيء. ولا يمكن قياس ما تفعله بالمعايير العادية التي تنطبق على الدول الأخرى، بمعنى أوضح جرى وضع إسرائيل فوق القانون وبسبب ذلك ترتكب الجرائم الفظيعة في غزة. وبسببه أيضا، لم يوقفها العالم عن ارتكاب المزيد بعد». «في حرب غزة، انهار كل شيء. أمام الجرائم التي ترتكب، لم يعد من الممكن تمسك العالم بسردية الضحية الأبدية. ما عادت جرائم الماضي تسمح بدعم جرائم ضد الإنسانية في الحاضر، أصبحت إسرائيل مكشوفة، لم تعد لديها بوليصة تأمين تاريخية، ولا حصانة.

عندما يرى العالم أن الفلسطينيين يُقتلون ويُهجّرون ويُجوعون على يد إسرائيل لم يعد مستعدا لإعفاء إسرائيل من مسؤوليتها عن الإبادة الحالية بسبب الإبادة السابقة.

هل بدأت دول العالم الغربي بتصويب موقفها والخروج من عقدة الهولوكست، بعد 75 عاما من السماح لإسرائيل بأن تتربع فوق القانون الدولي بما في ذلك انتهاك ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان واتفاقات جنيف الرابعة وتفلت دائما من العقاب.

اعتراف بعض الدول الأساسية كبريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا والبرتغال وغيرها يعد تطورا سياسيا مهما لجهة الاعتراض على المسار العدمي والحل الفاشي الإسرائيلي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يستند إلى أيديولوجيا دينية تعصبية متطرفة، ويغلق كل الأبواب والنوافذ أمام أي حل سياسي عادل للصراع. حدث ذلك قبل 7 أكتوبر وأصبح أكثر ضراوة بعده.

حرب الإبادة في غزة وحرب التصفية والتطهير العرقي في الضفة الغربية، التي أراد نتنياهو مواصلتها لقبر القضية الفلسطينية بعد تهجير 2.3 مليون فلسطيني من غزة وضم الضفة الغربية، وإعادة إخضاع دول الشرق الأوسط لهيمنة كولونيالية إسرائيلية. هذه الحرب أحدثت التغيير الذي بدأ باحتجاج الشعوب والقوى المناهضة للحرب والتوحش والهيمنة والعنصرية على حرب الإبادة. ثم انتقل صدى الاحتجاجات إلى مؤسسات أخذت تمارس ضغوطا وعقوبات وترفض مشاركة إسرائيل في برامج أكاديمية وفنية ومشاركات اقتصادية، وصولا إلى اعتراض دول أوقفت توريد الأسلحة إلى المعتدين. وبلغ التحدي أوجه عندما أصبحت القيم الديمقراطية والليبرالية وبخاصة حقوق الإنسان التي طالما تغنى بها الغرب مهدورة تماما في قطاع غزة، وأصبح النظام العالمي أقرب إلى شريعة الغاب بفعل انحياز إدارة ترامب لحكومة اليمين الفاشي العنصري وشروعها في معاقبة المنظمات الحقوقية التي حاولت احترام مواثيقها وأنظمتها وحاولت كبح أي احتجاج سلمي داخل الجامعات الأميركية وخارجها، إضافة إلى معاقبة الضحايا الفلسطينيين والناطقين باسمهم كمنع الوفد الفلسطيني من الوصول إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

بعد كل هذا الأداء لم يبقَ أمام دول الغرب غير الإعلان عن موقف معارض للسياسة الإسرائيلية المتوحشة والاستفزازية. وكان بعض المسؤولين الأوروبيين قد اكتشف خطأ سياسة عدم التدخل لحل الصراع وترك نتنياهو ومعسكره يحتكرون حل الصراع، ووصلوا إلى نتيجة أنه دون تدخل خارجي على قاعدة الشرعية الدولية، سيستمر نتنياهو في تدمير فرص ومقومات حل الصراع، وسيدفع الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وعموم المنطقة إلى صراع مفتوح يفضي إلى الانفجار والتطرف واللا استقرار والتعصب الديني والكراهية ويفضي إلى إعادة استقطاب عالمي ضد الظلم والهيمنة والحرب والعنصرية والفاشية، ولا تسلم الدول وشعوبها من تبعات حرب نتنياهو المفتوحة وسياساته العدمية، وقد بدأ الاستقطاب يشق طريقه داخل أميركا والاتحاد الأوروبي والعالم.

حل الصراع المزمن يبدأ بإعادة الاعتبار للشرعية الدولية وأوله الاعتراف بدولة فلسطين الذي يكتسب قيمته ومعناه، من وقف حرب الإبادة في غزة والانسحاب الإسرائيلي الكامل من أراضي القطاع، ومن وقف حرب الاستباحة وعربدة المستوطنين والتطهير العرقي في الضفة الغربية. وبتقوية وتطوير ودعم جهاز السلطة الفلسطينية، لا يمكن فصل هذه العناصر عن بعضها البعض. أقلية ضئيلة من عشر دول تتزعمها إدارة ترامب وحكومة نتنياهو تعارض وتتصدى للإرادة الدولية وتمارس الابتزاز والإرهاب والضغوط والعقوبات لمنع انضمام بعض الدول ولإفشال المسعى الدولي ومعاقبة المشاركين. نتنياهو وترامب ووزراؤهما يبررون عداءهم للاعتراف بالدولة الفلسطينية بنقطتين الأولى يعتبرون ذلك «مكافأة للإرهاب ولمذبحة اليهود يوم 7 أكتوبر» لكنهم قبل هذا التاريخ كانوا يرفضون حتى التفاوض وقد بلوروا «صفقة القرن» من طرف واحد وضموا مدينة القدس مكافأة للمستوطنين. النقطة الثانية: قالوا إن الاعتراف خطوة من طرف واحد متناسين أن حكومة نتنياهو اتخذت مئات الإجراءات والقرارات، نقلت مئات آلاف المستوطنين إلى الأراضي الفلسطينية، وصادرت عشرات آلاف الدونمات، ومارست التطهير العرقي وأقامت مئات المستوطنات، ومارست القرصنة على أموال الضرائب، ونزعت إنسانية الأسرى، كل هذا وغيره من طرف واحد. سببان سخيفان لا يقل عنهما سخفا ما تفوه به وزير الخارجية الإسرائيلي حين قال: إن مصير أرض إسرائيل لا يُقرر في باريس ولندن وإنما في القدس، مذكرا بأن لا صله له بالشرعية الدولية.

لم تكتفِ إدارة ترامب وحكومة نتنياهو برفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية ووثيقة ومؤتمر نيويورك وقرار الجمعية العمومية الذي اعتمد ما سبق، بل قدم الطرفان فيضا من التهديد والوعيد الذي تركز على ضم أراضي الضفة الغربية أو أجزاء منها ومعاقبة السلطة التي تتعرض لسيل غير متناه من العقوبات.

كان رد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس هو الأكثر بلاغة وحكمة حين قال: إن العالم يجب ألا «يرهب» من إسرائيل وهي تواصل حربها المدمرة في غزة وتسعى إلى ضم «زاحف» للضفة الغربية. وأضاف: «لا ينبغي لنا أن نشعر بالخوف من خطر الانتقام، لأنه مع أو دون ما نقوم به، فإن هذه الإجراءات سوف تستمر، وعلى الأقل هناك فرصة لتعبئة المجتمع الدولي للضغط من أجل عدم حدوثها».

نعم حكومة نتنياهو تمارس الضم الفعلي، وبخاصة عندما وضعت «مشروع E 1» الاستيطاني في حيز التنفيذ ومارست تطهيرا عرقيا لـ 60 تجمعا بدويا وريفيا في الأغوار ومسافر يطا. الآن أكثر من أي وقت مضى يستعد المجتمع الدولي للرد واتخاذ إجراءات مضادة للابتزاز الإسرائيلي الأميركي، بعد فقدان إسرائيل بوليصة التأمين التاريخية» كما قال بورغ.

منذ اعتراف الأغلبية الساحقة من دول العالم بالدولة الفلسطينية يصبح من المنطقي أن أي إجراءات إسرائيلية عقابية ضد الشعب الفلسطيني، تنال في الوقت نفسه من إرادة المجتمع الدولي وتتحداه وتتطلب ردا معاكسا قد يسبب ضررا أكبر بكثير من الاعتراف بالدولة.

يدرك عدد متزايد من الإسرائيليين الحاجة إلى حل حقيقي للصراع لا يمكن أن تحققه القوة ونموذج إسبرطة، بل عبر استقطاب إسرائيلي جديد يبدأ التفاوض مع القطب الفلسطيني في الصراع، على قدم المساواة - إسرائيليون من خارج المعارضة التي ارتمت في أحضان نتنياهو بشكل مخزٍ في كل ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي – .