اللجنة السياسية الأمريكية المناهضة للصهيونية.. قراءة تحليلية في السياق السياسي الأمريكي
نشر بتاريخ: 2025/10/02 (آخر تحديث: 2025/10/03 الساعة: 01:18)

تزامن الإعلان عن تأسيس اللجنة السياسية الأميركية المناهضة للصهيونية (AZAPAC) مع مرحلة سياسية حساسة في الولايات المتحدة، حيث يتزايد الاستقطاب الداخلي، ويتصاعد الغضب الشعبي من كلفة الانخراط الأميركي في الحروب الخارجية. هذه اللجنة، التي أسسها مايكل ريكتنوالد (الأستاذ السابق في جامعة نيويورك)، تمثل أول مبادرة منظمة تسعى إلى تفكيك النفوذ الصهيوني المتجذر في المؤسسات السياسية الأميركية، وإعادة توجيه السياسة الخارجية نحو الداخل الأميركي ومصالح الشعب الأميركي حصراً.

أولًا: السياق السياسي وتحدي اللوبيات التقليدية

منذ سبعينيات القرن الماضي، لعبت منظمات مثل إيباك (AIPAC)، والائتلاف المسيحي من أجل إسرائيل (CUFI)، وجي ستريت (J-Street) أدوارًا مركزية في صياغة السياسة الأميركية تجاه إسرائيل. تمكنت هذه اللوبيات من فرض أجندة سياسية قائمة على:

1. ضمان استمرار الدعم العسكري والمالي لإسرائيل.

2. توريط الولايات المتحدة في صراعات الشرق الأوسط.

3. تهميش الأصوات الأميركية المعارضة لهذا التوجه عبر التمويل الانتخابي والضغط السياسي والإعلامي.

وبذلك، باتت واشنطن رهينة شبكات نفوذ خارجي، على حساب أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية الداخلية. من هنا، تقدم AZAPAC نفسها كبديل يسعى إلى كسر هذه الحلقة المغلقة من التأثير غير المتوازن.

ثانيًا: أهداف اللجنة ومحددات عملها

تقوم اللجنة السياسية الأميركية المناهضة للصهيونية على رؤية ثلاثية الأبعاد:

البعد السياسي: تفكيك النفوذ الصهيوني في مؤسسات صنع القرار الأميركي.

البعد الاقتصادي: وقف استنزاف الموارد الأميركية عبر المساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل.

البعد الاستراتيجي: إعادة تعريف دور الولايات المتحدة في العالم بعيدًا عن سياسات التدخل الخارجي المرتبطة بمصالح إسرائيل.

وتحدد اللجنة مهمتها في:

1. إنهاء المساعدات الخارجية والعسكرية لإسرائيل.

2. وقف مبيعات الأسلحة والتعاون الأمني بين واشنطن وتل أبيب.

3. تعزيز السيادة الأميركية ورفض الحروب التي لا تخدم المصالح الوطنية المباشرة.

ثالثًا: البعد الاقتصادي – تكاليف الدعم الأميركي لإسرائيل

وفقًا لتقرير "تكاليف الحرب" (Costs of War Project) الصادر عن جامعة براون (2024)، أنفقت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 22.76 مليار دولار بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و30 أيلول/سبتمبر 2024، على المساعدات العسكرية لإسرائيل والعمليات الأميركية ذات الصلة في المنطقة.

ومع ذلك، يؤكد التقرير أن الرقم الفعلي أعلى من ذلك، لعدم شمول البيانات المتعلقة بزيادة الانتشار الأميركي في غرب آسيا مع نهاية أيلول/سبتمبر 2024. هذا الإنفاق يعكس مسارًا متواصلًا من استنزاف الميزانية الفيدرالية، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات داخلية متفاقمة، مثل:

العجز الفيدرالي المتزايد (الذي تجاوز 1.7 تريليون دولار في 2024).

أزمة البنية التحتية المتقادمة.

التفاوت الاجتماعي وتراجع القدرة الشرائية للطبقة الوسطى.

من هذا المنطلق، تقدم AZAPAC خطابًا يستند إلى لغة الأرقام، معتبرة أن استمرار الدعم غير المشروط لإسرائيل يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الاقتصادي والاجتماعي الأميركي.

رابعًا: التحولات في الرأي العام الأميركي

تشير استطلاعات رأي أجرتها مؤسسات مثل Pew Research Center وGallup خلال عامي 2023-2024 إلى تغير جوهري في المزاج الشعبي الأميركي:

تزايد نسبة الأميركيين، خصوصًا الشباب (18-34 عامًا)، الذين يرون أن إسرائيل تتحمل المسؤولية الكبرى عن الصراع في غزة.

انحسار التأييد غير المشروط لإسرائيل بين القاعدة الديمقراطية، بما في ذلك داخل الجامعات والنقابات العمالية.

صعود حركات سياسية ومجتمعية تطالب بوقف المساعدات لإسرائيل، وتربطها بقضايا العدالة الاجتماعية داخل الولايات المتحدة.

هذا التحول يفتح المجال أمام AZAPAC لاستثمار هذه الموجة الشعبية، وتحويلها إلى قوة ضغط مضادة لـ"إيباك" وحلفائها.

خامسًا: التحديات والفرص

التحديات:

قوة شبكات التمويل السياسي التي تسيطر عليها اللوبيات المؤيدة لإسرائيل.

تحالف الإعلام التقليدي مع جماعات الضغط الصهيونية في تشكيل السرديات العامة.

الارتباط الاستراتيجي العميق بين المؤسستين العسكرية والأمنية في واشنطن وتل أبيب.

الفرص:

تزايد وعي الرأي العام بكلفة الحروب الأميركية في الخارج.

اتساع الهوة بين أولويات المواطن الأميركي الداخلية (الصحة، التعليم، الاقتصاد) والسياسات الخارجية التي ترعاها اللوبيات.

تنامي الحركات الشعبية المناهضة للصهيونية على المستوى الأكاديمي والنقابي.

خاتمة

إن ظهور اللجنة السياسية الأميركية المناهضة للصهيونية (AZAPAC) يشكل محطة فارقة في مسار التوازنات داخل الولايات المتحدة، إذ تمثل محاولة لإعادة تعريف العلاقة الأميركية الإسرائيلية من منظور المصلحة الوطنية الأميركية.

ورغم أن الطريق أمامها مليء بالتحديات المرتبطة بنفوذ اللوبيات التقليدية، إلا أن تحولات الرأي العام، وارتفاع كلفة الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط، يمنحان اللجنة مساحة لتقديم بديل سياسي واقتصادي واستراتيجي، قد يكون له أثر بالغ في إعادة صياغة السياسة الأميركية خلال السنوات المقبلة.