"قبر يوسف" في نابلس.. بين التزوير الديني والشرعنة السياسية للاستيطان
نشر بتاريخ: 2025/10/03 (آخر تحديث: 2025/10/03 الساعة: 18:35)

تتحول المواقع الدينية والأثرية في فلسطين المحتلة إلى أدوات في يد المشروع الصهيوني، توظفها إسرائيل لفرض وقائع على الأرض وشرعنة الاستيطان تحت غطاء "الرواية التوراتية". ويأتي ما يسمى بـ"قبر يوسف" في نابلس نموذجًا صارخًا لهذا التوظيف السياسي للدين، حيث تتنازع حوله روايتان متناقضتان: إحداهما فلسطينية–إسلامية تؤكد أن المقام لرجل صالح هو الشيخ يوسف دويكات شُيّد ضريحه في العهد العثماني، وأخرى إسرائيلية بلا سند أثري أو تاريخي تزعم أنه قبر النبي يوسف عليه السلام.

السيطرة بالقوة وتحويل المقدس إلى أداة سياسية

منذ عام 1967 وضع الاحتلال يده على المقام الواقع في بلاطة البلد شرقي نابلس، ليحوله إلى نقطة ارتكاز عسكرية ودينية. ففي عام 1986 أنشئت مدرسة يهودية للتوراة بجواره، ثم أُدرج عام 1990 ضمن وزارة الأديان الإسرائيلية باعتباره من "الأوقاف اليهودية". وبذلك تحول المكان إلى بؤرة توتر شبه يومي، تتكرر فيها اقتحامات المستوطنين بحماية الجيش، وسط محاولات مستمرة لإعادة سيناريو الحرم الإبراهيمي في الخليل.

هذا التوظيف الديني ليس إلا ستارًا لسياسة استعمارية ممنهجة، فالاحتلال يسعى إلى فرض تقسيم زماني ومكاني للموقع، كما فعل في المسجد الإبراهيمي، وكما يحاول في المسجد الأقصى، في إطار استراتيجية تهدف إلى تكريس سيادته وخلق ذرائع قانونية–دينية زائفة لشرعنة الاستيطان.

البعد القانوني الدولي: مخالفة صريحة

وفق القانون الدولي الإنساني، فإن جميع الأعيان الدينية والتراثية في الأراضي المحتلة محمية بموجب:

1. اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية (1954)، التي تنص في المادة (4/1) على أن: *"تتعهد الأطراف المتعاقدة باحترام الممتلكات الثقافية الكائنة في أراضيها أو في أراضي الأطراف الأخرى، وذلك بعدم تعريضها للتخريب أو الاستيلاء"*¹.

2. اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، المادة (53) التي تحظر على قوة الاحتلال "تدمير الممتلكات الخاصة أو الاستيلاء عليها إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي ذلك حتماً"².

وبالتالي، فإن السيطرة الإسرائيلية على "قبر يوسف" ومحاولة تهويده يُعد انتهاكًا صارخًا لهذه النصوص، ويقع ضمن الانتهاكات الجسيمة التي يجرمها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تنص المادة (8/2/ب/ix) على أن: "تدمير أو الاستيلاء على ممتلكات العدو على نحو لا تبرره ضرورات حربية" يشكل جريمة حرب³.

اليونسكو: الاعتراف بالهوية الفلسطينية

لم تكن اليونسكو بعيدة عن هذا الصراع، إذ تبنت منذ عام 2010 قرارات متتالية تؤكد الهوية الفلسطينية للأماكن المقدسة. فقد أدرجت المسجد الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم على قائمة التراث العالمي كجزء من التراث الفلسطيني، ورفضت في قرارها رقم (34C/25) عام 2010 محاولة إسرائيل ضم هذه المواقع إلى "تراثها الوطني"⁴. كما أعادت المنظمة في قرارها الصادر بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2016 (القرار 200 EX/PX/DR.25.2) التأكيد على أن الحرم القدسي الشريف تراث إسلامي خالص⁵.

هذه القرارات تسحب الشرعية عن الرواية الصهيونية حول "قبر يوسف"، وتؤكد أن المزاعم التوراتية لا أساس لها في القانون الدولي أو في سجلات التراث الإنساني.

إسقاطات على القدس والخليل: سياسة واحدة

السيناريو ذاته يتكرر:

في القدس، تحاول إسرائيل فرض وقائع في المسجد الأقصى من خلال التقسيم الزماني والمكاني واقتحامات المستوطنين.

في الخليل، فرضت بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994 نظامًا قسّم المسجد بين المسلمين والمستوطنين.

في بيت لحم، استولت على مسجد بلال (قبة راحيل) وحولته إلى مزار يهودي.

واليوم، تسعى لإعادة إنتاج ذات السياسة في نابلس عبر "قبر يوسف"، ما يهدد حياة أكثر من 30 ألف فلسطيني مهددين بالتهجير في المنطقة المحيطة.

الخلاصة: التسييس الديني كأداة استيطانية

إن ما يجري في "قبر يوسف" ليس سوى حلقة في سلسلة من محاولات إسرائيلية لإضفاء الشرعية على مشروع استيطاني توسعي عبر تزييف الرواية التاريخية والدينية. فالاحتلال يحاول أن يجعل من "الأسطورة التوراتية" أساسًا قانونيًا لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم. إلا أن البحوث الأثرية، والمصادر التاريخية، وقرارات اليونسكو، والقانون الدولي جميعها تؤكد أن هذه المزاعم باطلة قانونًا وتاريخًا، وأن "قبر يوسف" وغيره من المقامات جزء لا يتجزأ من التراث الإسلامي–الفلسطيني.

الهوامش والمراجع القانونية والدولية

1. اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح (1954)، المادة (4/1).

2. اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، المادة (53).

3. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، المادة (8/2/ب/ix).

4. اليونسكو، القرار 34C/25 بشأن إدراج المسجد الإبراهيمي ومسجد بلال على قائمة التراث العالمي، 2010.

5. اليونسكو، القرار 200 EX/PX/DR.25.2 بشأن القدس والحرم الشريف، 13/10/2016.