حتى لا يلدغ المؤمن من ترمب مرتين؟
نشر بتاريخ: 2025/10/05 (آخر تحديث: 2025/10/05 الساعة: 15:02)

سيتضح خلال الأيام القليلة إذا ما كنّا أمام قاطرة أميركية تتحرك لوقف الحرب أم أن الأطراف تتلعثم في تطبيق ما قاله الرئيس الأميركي ورد «حماس» أم أننا أمام تكرار سيناريو كانون الثاني الماضي، عندما أظهر الرئيس الأميركي هذا القدر من الجدية حد الاعتقاد أنه سيسقط نتنياهو إذا لم ينفذ وأن نتنياهو أصبح عبئاً على الولايات المتحدة، وذلك عندما أرسل مبعوثه ويتكوف قبل تسلمه رئاسة البيت الأبيض ليرغم نتنياهو على اجتماع السبت المخالف للدين، لكن ما اتضح حينها أن ترمب كان يغطي انسحاب نتنياهو بعد المرحلة الأولى، ويهدد غزة بالجحيم ويحمّل مسؤولية إهدار الفرصة لحركة حماس.

كل ما كان يهم ترمب حينها هو الأسرى الذين حصل على الدفعة الأكبر منهم في المرحلة الأولى، هذا السيناريو مقلق في سلوك رئيس أميركي متقلّب المزاج وصديق كبير لإسرائيل عمل منذ عودته للبيت الأبيض كمجرد ذراع تنفيذية لبنيامين نتنياهو ومشاريعه.

هذه المرة، لعب العرب وتركيا دوراً في التأثير على الرئيس الأميركي، ليبقى التساؤل: هل يشكّل هذا الضغط قوة يمكنها أن تزاحم الضغط الإسرائيلي؟ هل يكرر الرئيس الأميركي من خلال فهلوته المعتادة السيناريو نفسه، ليقدم هذه الخطة تحت ضغط ما يستنطق الدول العربية وغير العربية لتأييد مبادرته؟ ثم ليترك حركة حماس وحيدة لا خيار أمامها إلا الموافقة رغم موقفها الغاضب من بنود خطته، وإصرار الرئيس الأميركي على أن يعطي مدة 72 ساعة لإطلاق سراح الأسرى، وهي الورقة الأهم في يد حركة حماس، هذا الإصرار أثار الريبة، خصوصاً أن تجربة ضمانات الرئيس ترمب هي تجربة مريرة على الفلسطينيين، هذا سيناريو صعب تغييبه في قراءة اللحظة.

قد تكون هناك رغبة لدى الأطراف حتى الصديقة لـ«حماس» برؤية نهاية الحرب بما يتلاءم مع ما تريده إسرائيل. جرت اتصالات بين عواصم لصالح الضغط على حركة حماس لتقديم ما يشبه الاستسلام غير المعلن، وجاء بيان الحركة كمقدمة لذلك، وهو ما يتعارض مع ردة فعلها الأولى الغاضبة على مبادرة ترمب، حين أعلنها وإلى جانب شريكه نتنياهو الذي بدا في ذروة سعادته وهو يعلن أنها تلبي مصالح إسرائيل وشروطها لإنهاء الحرب.

في مقطع آخر، الضغط ينتقل إلى حركة حماس بعد أن كان ضغطاً دولياً على إسرائيل، خصوصاً بعد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان نتنياهو يبحث عن المسيح المخلص، فقد ظهر أن رخصة الحرب قد انتهت، وبات بحاجة لتجديدها. لا أحد يغامر معتقداً أن الولايات المتحدة بحزبيها وإداراتها المختلفة يمكن أن تقدم أي قصاصة دون أن يكون الإسرائيلي مشاركاً في صياغتها إذا لم يكن هو من صاغها وحده وقدمها للأميركي ليتكفل بإخراجها.

نحن أمام ثنائي شديد الغرابة وشديد التوحش «ترمب - نتنياهو»، واحد مجرم مطلوب للعدالة، والثاني متقلب مزاجي سادي طامح لجائزة نوبل التي يبدو أنه لا يريد أن يتخلل توزيعها في العاشر من هذا الشهر استمرار الحرب، حتى لو مؤقتاً، لكنه يعتبر أن جائزته الأكبر هي الرضا الإسرائيلي، فمنذ ولايته الأولى كان يقدم ما لم يفعله أي رئيس أميركي لصالح إسرائيل، خصوصاً نقل السفارة الأميركية للقدس، لذا ينظرُ الفلسطينيُّ بريبةٍ وشك إلى أي شيء يتعلق بترمب، فالمؤمن لا يلدغ من ترمب مرتين، وقد فعلها مراراً إلى الدرجة التي سيسقط فيها نتنياهو ثم بعد ذلك يستقبله استقبال الفاتحين.

حتى تتوقف الحرب، على أحد أطرافها أن يقدم تنازلات كبيرة؛ إسرائيل وضعت خمسة شروط لوقف الحرب تبدأ بتسليم «حماس» أسلحتها وتنتهي بسيطرة إسرائيلية دائمة. هل تراجعت إسرائيل عن شروطها أم أن حركة حماس قدمت ما يمكن اعتباره استسلاماً؟ هل هذا شكل نهاية الحرب الذي تريده إسرائيل وتدعمها الولايات المتحدة ويقف خلفها ترمب الذي كان قد أشار لاستسلام الحركة كشكل لنهاية الحرب؟ هل وصلت «حماس» لقناعات كهذه بضغط الميدان أو ضغط الأصدقاء الذين اتكأ عليهم الرئيس الأميركي لإقناع «حماس»؟

إن توقفت الحرب عند هذه اللحظة، يكون الرئيس الأميركي قد ألزم إسرائيل بما يريد، وهذه أمنية غزة والفلسطينيين وكل الباحثين عن نهاية لهذا الكابوس الذي وقفت فيه غزة وحيدة مجرّدة من الإخوة والأصدقاء، لكنْ من المشكوك فيه أن يفعل ترمب بالتحديد ذلك، فقد كانت الانطباعات الأولية تشير إلى أنه وضع هذه الخطة لترفضها «حماس» حتى ينقذ نتنياهو ويجدد شرعية الحرب كما يعتقد. كان ذلك محل خوف من تواطؤ أميركي إسرائيلي تكرر خلال الأشهر الماضية لدرجة الوقاحة ضد «حماس» وإيران، كان الرئيس الأميركي مجرد ترس في ماكينة نتنياهو الدعائية والعسكرية.

نحن أمام أيام شديدة الحساسية مفتوحة على سيناريوهات، فالإسرائيلي لم يعجبه بيان «حماس» كونه أجاد اللعبة بإلقاء الكرة في ملعب إسرائيل، لكن نتنياهو كان أكثر دهاء فقرر أن يرسل وفده للتفاوض ويعطي تعليمات استلام الأسرى وجاهزية الجيش لذلك، فهل ستسلمهم «حماس» كما حددت وثيقة ترمب زمنياً؟ إذا ما تم تسليمهم، حينها نكون أيضاً أمام سيناريو آخر، فقد يكون الأمر خديعة اعتاد عليها الثنائي، ومع ذلك فالأمل معقود على أن تكون نهاية هذه المأساة هي السيناريو الأقرب، رغم المخاوف. لكن على التاريخ أن يتحرك أيضاً، فمن السادية أن يتوقف عند لحظة يجعل فيها الفلسطيني ضحيته الدائمة، فقد مضى عامان شديدا السواد تكفي فيهما النار التي انصبت على غزة لتجفيف المحيطات، آن الأوان لوضع حد لذلك، وبين التمنيات والواقع هناك مسافة نأمل أن تكون صفرا هذه المرة.