سارعت بعض الأطراف، ومنها فلسطينية، بعد توقيع خطة ترامب 9 أكتوبر، والتي تمت ترسيخا في "إعلان السلام" في شرم الشيخ يوم 11 أكتوبر، بالحديث عن انتهاء مرحلة التهجير لأهل قطاع غزة، بل ذهب من قال إن الرئيس الأمريكي تراجع عن مخططه التهجيري، الذي أشار له مع بداية استلام الحكم يناير 2025.
ويبدو، أن الخيبة السياسية لأنصار فريق انتهى التهجير الترامبي، سقط سريعا، كما سقطت غالبية مقولاتهم الفارغة، ولا زالت "أبواق الجهالة" غارقة في أحد أكبر مكاذب التاريخ، التي تحاول تمرير ما فعلته الحركة الإخوانجية من التسبب في الكارثة الأكبر منذ عام 1948 للشعب الفلسطيني، إلى أنه "نصر مبين".
يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، خرج الرئيس الأمريكي ترامب في لقاء مع قناته الإخبارية المفضلة جدا "فوكس نيوز"، وردا على سؤال المذيعة "في السابق قلت أن غزة يمكن أن تكون جميلة يمكن أن تتطور"..ليجيب "نعم حسنا ، ليس أنا من سيطورها، ليس أنا كفرد..أحببتها كمكان ، كأنها مكان الحرية ، وتسمونه مكان الحرية، وسندخل جميع الأشخاص الذين يعيشون هناك إلى منازل لائقة في أنحاء المنطقة، اذا نظرتم مصر لديها الكثير من الأراضي، الأردن لديها الكثير من الأراضي بجوارها مباشرة، الكثير من الدول لديها الكثير من الأراضي، لذلك كانت لدي رؤية مبدئية بأننا سنعيد توطينهم".
جواب لم يلجأ للمواربة أو الضبابية، بأن الهدف الأساسي من رؤيته الخاصة، لا تزال قائمة، حول تغيير طابع قطاع غزة الديمغرافي، وبناء منطقة جديدة تلبي "البعد السياسي" بأنها كيان خاص سيكون بديلا للكيان الوطني، ومنطقة استثمارية خاصة، كما وصفها الصهر كوشنير، الحاكم القادم للقطاع.
عودة ترامب لفتح ملف التهجير جاءت، بعدما وضع أسس المرحلة التالية عبر اتفاق شرم الشيخ، ورسم خطوط المشهد السياسي، وأدخل قيادة حركة حماس في نفق البحث عن الذات والبقاء في المشهد رغم استسلامها الكامل لما طالبها من نصوص، وارتضت به "رئيسا عاما" للمرحلة الانتقالية (رئيس مجلس السلام)، الذي سيكون السلطة العليا لمجلس إعادة الإعمار.
فتح ملف التهجير تزامن، مع تصريحات كوشنر، حول الدولة الفلسطينية، بأنها ليست حتمية بل هي خيار ممكن وليس ضرورة سياسية، في حين أشار إلى أن قطاع غزة سيكون مركز الثقل السياسي الكياني للفلسطينيين.
ترامب بفتح باب التهجير مجددا، بعدما نال كل الضمانات التي تخدم رؤيته ورؤية دولة الكيان، وسيضع ذلك في سياق إعادة الإعمار، سواء عبر آلياته الخاصة، أو زمنه الخاص وشروط دول التمويل.
موضوعيا، لن يتم تشكيل "صندوق مال إعادة الإعمار" دون موافقة أمريكية، وتحديدا ترامب بصفته الرئيس العام، وبالتالي كوشنير كحاكم تنفيذي، ما سيترك ملامحه على أهل قطاع غزة، وستكون الخطوات تتوافق مع مشروعه التهجيري، ضمن عناوين مختلفة، ومسميات مختلفة، ولكنها بذات الهدف، خاصة والتحديد كان لمصر والأردن، وهي ذات الدول التي أشار لها في تصريحاته السابقة، والتي حاول لاحقا "تعديلها"، ليعاد الآن توضيحها.
هل هناك قدرة على منع مخطط ترامب التهجيري، وفقا للمشهد العام لا يوجد ما يمكنه أن يعطل ذلك، سوى رفض مصر والأردن لكنه لن يلغي البحث عن دول مضافة، تحت عناوين مختلفة.
ربما الخطوة الأهم لكسر جوهر مخطط ترامب التهجيري، أن تعمل القيادة الرسمية الفلسطينية مع الشقيقة مصر على فكرة "النقل الانتقالي" لبعض أهل قطاع غزة نحو سيناء، ضمن قواعد متفق عليها، تمنع التوطين والتهجير، وتبقي باب العودة مفتوحا في ظل علاقات تكاملية مع القطاع.
البقاء في دائرة الرفض الكلامي سيكون أهم أسلحة ترامب وكوشنر ودولة اليهود لتنفيذ مخطط تهجير أهل قطاع غزة..فليس بالشعارات الرنانة جدا تحمى الشعوب..وما كان منذ 7 أكتوبر الدرس الأقسى في التاريخ الوطني.