القدس المحتلة - قال ديمتري دلياني، عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح: "ان دولة الاحتلال الإسرائيلي تمارس جرائم إبادة شاملة لا تتوقف عند حدود قتل الإنسان الفلسطيني، بل تتعمد اقتلاع وجوده حتى بعد وفاته، عبر انتهاكات متكررة تطال حرمة الأجساد والقبور، في عدوان سافر على الهوية الوطنية، والذاكرة التاريخية، والبعد الحضاري العميق لشعبنا الفلسطيني. هذا العنف بحق الموتى يُجسّد بشكل جليّ فلسفة استعمارية ترى أن الإنسان الفلسطيني، ذكراً كان أو أنثى، لا يستحق الحياة، ولا حتى الكرامة في الموت."
وأشار دلياني إلى أن تدمير أكثر من أربعين مقبرة من أصل ستين في قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة الجماعية، يكشف عن منظومة عسكرية تستهدف الأجساد و تقوّض الطقوس الجنائزية، وتمحو الأثر الرمزي والديني والثقافي المرتبط بالمكان الفلسطيني. فالمقبرة، بوصفها حارساً للذاكرة ومرآة لكرامة الحياة، باتت تحت سطوة الجرافات العسكرية، تتحول إلى ساحة قمع يتساوى فيها الموتى والأحياء تحت وقع الحديد والنار.
وسلّط دلياني الضوء على إحدى أبشع المحطات في هذا المسار، عندما القت قوات الاحتلال في الثلاثين من كانون الثاني ٢٠٢٤، بمئة جثمان شهيد وشهيدة متحلل في مدينة رفح بعد اختطافها، جرى دفنها في مقبرة جماعية، وسط تقارير طبية تؤكد انتزاع أعضاء بشرية من الجثث. وفي نيسان من العام ذاته، وثّقت وزارة الأوقاف حالات فصل للرؤوس والأطراف من جثامين الشهداء، في مشهد يتجاوز حدود الجريمة إلى مستوى التوحش.
واشار القيادي الفتحاوي إلى أنّ هذا العنف بحق الموتى الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي يمتد إلى الضفة الغربية المحتلة، حيث وثّقت مشاهد حية على وسائل التواصل الاجتماعي قيام جنود الاحتلال بإلقاء جثامين شهداء من فوق أسطح المنازل في بلدة قباطية. كما طالت أذرع المنظمات الاستيطانية الإرهابية حرمة القبور في مقبرة باب الرحمة الإسلامية، الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة. ولم تسلم المقابر المسيحية من هذا الإرهاب المنظم، حيث تعرّضت العديد من المقابر وكان اخرها المقبرة البروتستانتية في جبل صهيون لاعتداءات وحشيه، حطمت خلالها عصابات المستوطنين الصلبان وسُوّيت شواهد قبور بالرّكام، في مشهد يجسد عدوانًا لا يفرّق بين مقدسات إسلامية أو مسيحية، ويؤكد أن دولة الاحتلال تسعى إلى اجتثاث كل مكوّن روحي وتاريخي فلسطيني من المدينة المقدسة، حياً كان أو ميتاً.
واعتبر دلياني أن "مقابر الأرقام"، حيث تُدفن جثامين الشهداء تحت أرقام مجردة من الأسماء، تُجسد شكلاً من أشكال الاعتداء على حرمة الموتى. فحرمان العائلات من حق الدفن، ومنعها من معرفة مصير أبنائها، وتحويل الجثمان إلى وسيلة قمع، كل ذلك يعكس استخدام المؤسسة الاستعمارية الإسرائيلية للموت كأداة لإخضاع الوجدان الفلسطيني وإعادة تشكيله بالقهر.