خالد عزالدين.. من زنزانة الحديد إلى سفارة الحرية
نشر بتاريخ: 2025/07/20 (آخر تحديث: 2025/07/20 الساعة: 18:48)

في زحمة الأسماء وتعدد الوجوه، هناك رجال لا يُطوَون في دفاتر الغياب، بل يبقون شموعًا لا تنطفئ في ذاكرة الوطن، وأيقونات نضال تُروى للأجيال. من هؤلاء، يسطع اسم خالد صالح، المعروف باسم عز الدين خالد، ابن قطاع غزة، وأحد رموز الحركة الأسيرة، ومهندس "الهروب الكبير" من سجن غزة المركزي عام 1987.

الاعتقال.. فجرٌ يولد من رحم العتمة

في الثامن من ديسمبر عام 1984، اعتُقل خالد وهو في ريعان الشباب. لم يكن اعتقالًا عابرًا، بل بداية مواجهة شرسة مع آلة القمع الصهيونية. تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي، وسُجن بمؤبد لم يُكسر، بل كُسر صمته بشجاعة من نوع آخر. لم يُضعف السجن إرادته، بل حوّله إلى مصنع للصلابة، وكان يردد بثقة:

"السجن محطة.. والهروب منها عبورٌ نحو الواجب والحرية."

الهروب الكبير.. حين تنتصر الإرادة

في 17 أيار/مايو 1987، وفي رمضان، صنع ستة أسرى، أحدهم خالد صالح، ملحمة من نور ودم، وهربوا من زنزانتهم في سجن غزة المركزي – قسم "ب"، غرفة 7. كانت خطة متقنة يقودها الشهيد مصباح الصوري، والمنفذون رجال لا يعرفون المستحيل.

التكبيرات بعد التراويح غطّت صوت المنشار، لتبدأ لحظة الخروج من القيد، في عملية دوّت أصداؤها في كل فلسطين، وهزّت المنظومة الأمنية الصهيونية.

خالد، رغم إخفاقاته السابقة في تهريب أدوات للهروب، لم يستسلم. نجح في هذه المعركة، ودوّن اسمه على جدران المجد الفلسطيني.

من المطاردة إلى الشتات.. والمنفى إلى الرسالة

بعد الهروب، خاض خالد شهورًا من المطاردة داخل غزة، حتى تمكن هو ورفيقه عماد الصفطاوي من الخروج إلى مصر، ثم إلى العراق، حيث حُفِياَ باستقبال الأحرار، لتبدأ بعدها رحلته في المنافي: تونس، لبنان، سوريا، ليبيا، حتى استقر أخيرًا في الجزائر.

لكن هذا الاستقرار لم يكن سباتًا، بل كان انطلاقة جديدة. في الجزائر، لم يكن مجرد لاجئ، بل سفير الأسرى، وصوتهم في المحافل، وظلّهم في المنافي.

سفير الأسرى في الجزائر.. حين يصبح المنفى منبرًا

في الجزائر، تولّى خالد مهمة مسؤول ملف الأسرى في السفارة الفلسطينية، فحمل على عاتقه أمانة ثقيلة، وأبقى على جذوة القضية متقدة. أنشأ منصات إعلامية، حرر ملاحق صحفية، ونظّم مؤتمرات ولقاءات مع مؤسسات جزائرية رسمية وشعبية، ليجعل من قضية الأسرى قضية عربية، لا فلسطينية فقط.

صار يعرف بين النخب الوطنية بلقب "سفير الأسرى"، لأنه كان وما زال يمثّلهم، يحمل وجعهم، ويرفع أسماءهم وصورهم وأرقامهم، في كل مكان.

رجل الظل الذي أنار الطريق

خالد لم يكن عاشقًا للأضواء، بل كان صانعًا لها. عاش في الظل ليضيء الطريق لغيره. سُجن شابًا، وخرج بطلًا، وواصل النضال من منفاه. بقي وفيًّا لرفاقه الشهداء: مصباح الصوري، محمد الجمل، سامي الشيخ خليل، وبقي على العهد مع كل من لا يزال في غياهب السجون.

روحه ما زالت هناك.. في الزنزانة، عند الأذان، ومع دعوات أمهات الأسرى.

خاتمة: خالد صالح.. رجل لا تنكسر إرادته

"عز الدين خالد" ليس مجرد اسم، بل قصة وفاءٍ ومقاومة، تمشي على الأرض، من قلب المعاناة إلى ناصية المجد. هو المناضل الذي تحرر من القيد، دون أن يتحرر من الواجب. يعيش في الجزائر جسدًا، لكنه يحمل غزة في قلبه، والأسرى في دمه، وفلسطين في حرفه.

هو جزء من ذاكرة الكبرياء الوطني الفلسطيني، قصة تُروى لا لتُبكي، بل لتنهض، وتلهم.