الوقاية خيرٌ من العلاج
نشر بتاريخ: 2025/08/21 (آخر تحديث: 2025/08/21 الساعة: 19:22)

لا تزال القراءات السياسية للمشهد الذي تعيشه المنطقة قاصراً عن إدراك الحقائق التي تتفاعل، بما تنطوي عليه من أهداف ومآلات، تتعلق بالمصالح الكبرى المتناقضة.

تثير الدهشة بعض التحليلات التي تدّعي أن إعلان بنيامين نتنياهو عن هدفه بتحقيق حلم «إسرائيل الكبرى»، على أنه يندرج في سياق الاستثمار التفاوضي، وأن حملة احتلال غزّة، أيضاً، تندرج في السياق ذاته.

مثل هذه التحليلات إما أنها جاهلة أو تستهدف التضليل بهدف تسويق الخطاب والسياسة العربية والإسلامية المتردّية حتى في التعامل مع مصالح النظام السياسي العربي، وأمنه واستقراره ومستقبله.

تَسقط هذه التحليلات عند أوّل اختبار، حين يوافق الفلسطينيون على الصفقة الجزئية المطروحة لقطاع غزّة، ويرفضها المستوى السياسي الإسرائيلي، الذي يعلن سعيه لصفقة شاملة مع كل ما يرافقها من شروط إسرائيلية متطرّفة.

كانت المقاومة قد أبدت استعدادها للدخول في صفقة تبادل شاملة تؤدي إلى وقف الحرب الإبادية، وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع، والسماح بتدفُّق المساعدات، وهي لا تزال مستعدّة لذلك، ولكن لأن دولة الاحتلال لا تريد إنهاء حربها الدموية، فإنها تعود إلى المراوغة والتهرُّب.

البعض يدّعي أن خطاب نتنياهو عن «إسرائيل الكبرى»، لم يكن سوى خطاب داخلي، بدليل أنه أدّى إلى تحسين وضع «الليكود» في الانتخابات المحتملة حسب استطلاعات رأي جرت بعد الخطاب مباشرة. حين نخرج من دائرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى ما هو أبعد، سنلاحظ أن الهوية العربية الإسلامية مستهدفة بكل مقوّماتها الجيوسياسية والروحية، فعدا أن «إسرائيل الكبرى» تستهدف سبعة كيانات عربية، فإن ذلك يترافق مع جملة من الاستهدافات الكبرى.

تواجه مصر ضغوطات هائلة، ومعلنة ومتكرّرة، من قبل الإدارة الأميركية، سواء عَبر الديون، أو «سدّ النهضة»، ومياه نهر النيل، وتستهدف تغيير موقفها من موضوع اقتلاع سكّان القطاع إلى سيناء مقابل زيادة حصتها المائية، وتخفيف بعض أعباء الديون.

الأردن هو الآخر يواجه تهديدات وضغوطات أميركية لكن تفعيلها، مؤجّل إلى حين معالجة موضوع تهجير سكان القطاع، في حال نجحت الضغوط، وإلى أن يحين الدور على اقتلاع سكّان الضفة الغربية.

في لبنان الأمر أكثر من واضح، إذ ينشط المبعوث الأميركي توم باراك لإخضاع البلد، فإما أن يوافق على نزع سلاح المقاومة، وتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، وتعريض السيادة للاستباحة الإسرائيلية، أو أن لبنان قد يصبح جزءاً من بلاد الشام، ويُحرم من وعود إعادة الإعمار.

لبنان أما خيارَين، فإمّا الخضوع واستمرار الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، أو فتنة داخلية تسمح لدولة الاحتلال بمواصلة ما تقوم به، وقد يتوسّع احتلالها بذريعة تمسك «حزب الله» اللبناني بسلاحه.

أما بالنسبة لسورية فحدّث ولا حرج، تستمر الاعتداءات، والقصف، والاحتلال، ويدخل المستوطنون إلى جنوب سورية، يزرعون الورود والعَلَم الإسرائيلي، ويضعون حجر أساس لإقامة مستوطنة.

وفي سورية، أيضاً، تلعب دولة الاحتلال على خطّ الفتنة الداخلية، بدعوى حماية الأقليّات، فيخرج جمهور من السويداء يطالب بدخول دولة الاحتلال، ويرفع بعضهم عَلمَها وسط التظاهرة.

وفي سورية، كذلك يحتفل النظام السوري الجديد بأنه نجح في الاستيلاء على شاحنة تحمل صواريخ «كاتيوشا»، كان يُفترض أنها ستصل إلى المقاومة اللبنانية، فيما تستمرّ اللقاءات الرسمية السورية الإسرائيلية.

ما يجري في سورية لا يمكن تبريره بأن «النظام الجديد» ورث أوضاعاً غاية في الصعوبة والتعقيد، ما يدفعه نحو إعطاء أولوية للتهدئة، وترتيب أوضاع البلاد الداخلية، وينسحب الأمر على تركيا، صاحبة الخطوة الأولى في العلاقة مع «النظام الجديد».

الضغط الأميركي، أيضاً، لا يتوقّف عندما يجري في هذه المناطق، وإنما يمتدّ، أيضاً، إلى العراق، حيث يتعرّض «النظام الجديد لضغوط تستهدف، إشعال فتنة داخلية، من خلال مطالبتها الأخير بإخراج «الحشد الشعبي»، والمقاومة من الشرعية، وسحب أسلحتها.

هكذا إذاً، فإن معظم الدول العربية، المشمولة برؤية نتنياهو لـ»إسرائيل الكبرى»، تخضع لسياسات عملية وضغوطات هائلة، في سياق زعزعة أمن واستقرار هذه الدول، وتمهيد الميدان لمزيد من الأفعال التي تسبق إسقاطها.

لأجل ذلك، تقرر حكومة الاحتلال الفاشية تخصيص ميزانيات هائلة لدعم جيشها، والعمل الحربي العدواني، حتى لو كان ذلك على حساب نفقات الوزارات الأخرى.

يجري ذلك بينما تفعّل الدولة العبرية وأميركا كل أوراقهما وقدراتهما لتحقيق أهداف الحرب الهمجية المستمرة، بينما لا يجرؤ العرب والمسلمون على تفعيل أي من الأوراق المهمّة التي بأيديهم، ويكتفون بتفعيل اللغة، والمطالبات.

وفي واقع التجربة الشخصية، فإن ثمّة فارقاً جوهرياً بين أن يستهتر الإنسان بأعراض المرض فيذهب في سيّارة إسعاف طوارئ، وبين أن يذهب على قدميه مبكّراً.

في الحالة الأولى الإنسان معرّض للوفاة بجلطة، أو بحياة بائسة إن قدّر له أن يعيش، أما في الحالة الثانية، فإنه يتمكّن من الحصول على الرعاية اللازمة، وينجو.

ومن الواضح أن العرب ما زالوا ينتظرون الانتقال في حالة طوارئ، طالما أنهم يتجاهلون التهديدات الخطيرة التي تنتظرهم، إن أزمة واحدة خير من ألف نصيحة إن أُحسن التعامل معها.