مع صباح يوم الإثنين 8 سبتمبر 2025، نفذ شابان فلسطينيان عملة عسكرية في القدس المحتلة، أنتجت مقتل 6 من الحريديم ورجال شرطة المحتل، وتم لاحقا إعدام المنفذين، مثنى عمرو (20 عامًا) من سكان بلدة القبيبة، ومحمد طه (21) عاما من سكان بلدة قطنة، ضواحي القدس.
مبدئيا، العملية العسكرية داخل حدود دولة فلسطين المحتلة في قلب عاصمتها الأبدية، ولذا لا يحق لأي كان عربي أو دولي أو محلي فلسطيني إدانتها، كونها حق من حقوق القانون الدولي لمقاومة العدو الاحتلالي، وكل إدانة للعملية تمنح "شرعية" تهويد القدس وضمها وفقا لقرارات حكومة الفاشية اليهودية، وتشويه فعل المقاومة.
ولكن، أن يتم عدم الموافقة على الشكل المسلح في لحظة سياسية ما مسألة تستحق التفكير من جانب الحسابات السياسية، وليس من مواقع الإدانة السياسية، وهنا فرق كبير التفكير بما هو الأكثر جدوى ومصلحة وطنية من أساليب المقاومة والمواجهة، خاصة في توقيت حساس يمكن استخدامه من أطراف مرتعشة أو مترددة.
وبعيدا عن الرفض أو اللا رفض لعملية القدس الخاصة، فالمسألة الجوهرية التي يجب التوقف أمامها، هي أنها نفذت بالكامل داخل القدس التي تتحكم دولة الاحتلال، جيشا وأمنا وشرطة بكل مفاصل حركة الناس والسكان بها، ومحاطة بحواجز وأسلاك كفيلة بمنع "التنفس الطبيعي"، التي تفتخر حكومة الفاشية اليهودية بقدرتها "الخارقة" بها، خاصة وزيرها الإرهابي بن غفير.
أن يقتحم شابان من القدس منظومة الأمن الاستراتيجية لدولة الكيان، وينفذا عملية قد تكون هي الأوسع تأثيرا منذ زمن بعيد، فتلك مسألة يمكنها أن تعتبر "فضيحة أمنية" مركبة، الاقتحام والتنفيذ في وضح النهار ومنطقة حيوية مزدحمة بحضور شرطي كبير، وتكشف أن الادعاء الذي يحاول نتنياهو تصديره، جعجعة كلامية.
مقابل ذلك، فعملية القدس جاءت كهدية سياسية كبيرة وفي توقيت ذهبي للرسمية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، في ظل حملة دولة الفاشية اليهودية ضد الاعتراف بدولة فلسطين، كونها تمثل خطرا وجوديا على الكيان الاغتصابي، حيث أكدت أن الأمن الحقيقي لن ينطلق من سياج وشرطة واستيطان ومصادرة أرض ووطن، ومحاولة تهجير شعب، وقد أكدت عملية القدس أن أمن الكيان يمكن اختراقه في كل مكان.
عملية القدس رسالة سياسية بيد الرئيس عباس، ليؤكد، أن قتلى العملية لم يحدث له مثيل في الضفة، حيث الأمن الفلسطيني، والذي لا وجود له في القدس مكان العملية، وبلدات منفذي العملية، لذا كل اتهام للسلطة وأمنها ليس سوى كذبة كبرى تكشف عورة حكومة الثلاثي نتنياهو - سموتريتش وبن غفير، وبأن الأمن الفلسطيني يقوم بمهامه رغم كل القيود الاحتلالية بأكثر مهنية من جيش دولة بكاملها، وتأكيد بأن الرسمية الفلسطينية تبحث طريقا معاكسا لطريق الإبادة الجماعية والتهويد.
وهنا، من المفيد للرئيس عباس وكل أجهزته التذكير، ماذا لو تم السماح لقوات الأمن الفلسطيني، بكل فروعها المشاركة بالعمل ضد جيش العدو الاحلالي في الضفة والقدس، وغضت الطرف عن العمل العسكري لفصائل مختلفة، ومنها كتائب شهداء الأقصى الفتحاوية، كيف سيكون المشهد العام لدولة الكيان..سؤال لا بد منه في سياق المواجهة السياسية لمكذبة نتنياهوالكبرى.
انتقال منظومة الرسمية الفلسطينية من حال "الدفاع المرتعش" بعد عملية القدس، وكل عملية عسكرية ضد جيش الاحتلال، إلى حال المواجهة الكاشفة لفضيحة حكومة الفاشية اليهودية الأمنية ضرورة لا بد منها..فذلك شكل من أشكال المقاومة.