إلى هذا الحدّ بلغ الهوان
نشر بتاريخ: 2025/09/18 (آخر تحديث: 2025/09/18 الساعة: 13:55)

انتهت القمة العربية الإسلامية، الرابعة منذ 7/10/2023 بمحصّلة بيان، يعكس الحدّ الأدنى، من المواقف والتوصيات، بينما كانت تصريحات وكلمات بعض الرؤساء والأُمراء، أكثر جدّية وأكثر وضوحاً. المحصّلة تعني لا شيء، سوى التعاطف مع دولة قطر، التي تعرّضت لعدوان إسرائيلي سافر، في إشارة إلى أنّ العدوان يذهب في استهدافاته إلى ما هو أبعد جغرافياً وسياسياً.

الرسالة الإسرائيلية، تتعدّى كل الخطوط الحمر التي يمكن أن تخطر على بال أي نظام عربي، وتؤكد جدية التهديدات التي يطلقها أركان الائتلاف «اليميني» المتطرّف في دولة الاحتلال.

لا يمكن اعتبار ما قامت به دولة الاحتلال، شكلاً من أشكال الخيانة أو الجبن، كما تصفه بعض تصريحات بعض الزعماء العرب، فالأهداف علنية ومباشرة ومكشوفة للجميع، والعمل ينطوي على جرأة واستهتار مفضوح، وانتهاك للسيادة والكرامة، واستقلال المنظومة العربية والإسلامية.

وبينما يستمرّ العرب والمسلمون، في تجاهل الخطر الداهم على أمنهم واستقلالهم، وبينما تستمرّ الصراعات البينية العربية، وتتعمّق السياسات القُطرية، ولم ينتقل الكل إلى مجاراة وتحدّي التحوّلات الخطيرة الجارية والمقبلة على الإقليم، فإن دولة الاحتلال أحدثت نقلات سريعة على إستراتيجياتها.

العرب لا يزالون يتحدثون عن السلام، ويحلمون به، بينما الدولة العبرية انتقلت من سياسة «الأرض مقابل السلام» إلى «السلام مقابل السلام»، ثم «السلام مقابل الأمن»، ثم «السلام مقابل الاستسلام» والخضوع لهيمنتها ومصالحها. ولقد أثبتت الإدارات الأميركية المتعاقبة، وأكثرها وضوحاً إدارة دونالد ترامب، أنها شريك كامل للسياسات الإسرائيلية، وانّ دولة الاحتلال لا تزال ضمن أولوياتها، لا تضاهي موقعها بالنسبة لبلده أية دولة أخرى.

كان يمكن للعرب أن يُضعفوا هذه المعادلة، لو أنهم امتلكوا الإرادة الكافية، لاستخدام وتوظيف إمكانياتهم وثرواتهم، ولكنهم لا يزالون عند السياسة ذاتها التي تثق بأميركا، وترتهن لوعودها بالحماية والأمن والاستقرار.

قبل القمة، وبعدها، لم تتوقّف التهديدات الإسرائيلية للاعتداء على أيةّ دولة عربية أو إسلامية، بذريعة مواصلة حملتها لاغتيال قيادات المقاومة الفلسطينية.

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، حرص على أن يتواجد في دولة الاحتلال خلال انعقاد القمة، لكي يؤكّد دعم بلده، لكل ما يقوم وما ينوي بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الفاشية، المطلوب لـ»الجنائية الدولية» القيام به.

وحين ينتقل إلى قطر، ليؤكّد مكانة التحالف، وتطوير الاتفاقات الأمنية والدفاعية معها، فإنه يكذب حين يؤكّد على أهمية استمرار الوساطة القطرية، التي كان القصف الإسرائيلي يستهدف وقفها.

في الواقع فإن تصريح الناطق باسم الخارجية القطرية صحيح حين قال إن تفعيل المفاوضات والوساطة، لا يتّسم بالموضوعية فلقد تجاوزت الأحداث في الميدان، كل خطّ الدبلوماسية والوساطة.

في «اليوم التالي» لانتهاء جلسات القمة العربية الإسلامية، بدأ الجيش الإسرائيلي حملته الواسعة على مدينة غزّة.

ومرّة أخرى، تتحدث الوقائع في الميدان، عن أن الإفراج عن الرهائن هو الهدف «الأخلاقي» الذي يعمل جيش البطش على تحقيقه كما يدّعي رئيس الأركان إيال زامير، بينما يتضح أنه يقوم بعملية تسوية لكل أنواع وأشكال الحياة، وكل مباني المدينة.

اقتحام مدينة غزّة، يشكل حلقة متقدمة على طريق تنفيذ مخطّط تهجير السكّان، من خلال دفعهم إلى الجنوب في منطقة لا تتسع لمئات الآلاف، ولا تتوفّر فيها أبسط مقوّمات الحياة.

يُصرّ ترامب، على إطلاق تهديداته بالجحيم للمقاومة، إن هي استخدمت الرهائن دروعاً بشرية، وكأنّ لدى الأخيرة خيارات أخرى لحمايتهم في ظلّ استباحة جيش الاحتلال لكلّ مكان وبناية، وحجر فوق الأرض أو تحتها.

الرهائن هم أولوية ترامب، بينما لا قيمة ولا أهمية لحياة مئات آلاف الفلسطينيين الذين يتعرّضون لكل أنواع القتل والإذلال والتجويع، وانعدام الخيارات، هذا بالرغم من أن الرهائن لم يعودوا ضمن أولويات نتنياهو وحكومته الفاشية.

من أسوأ ما يصدر تكراراً عن العرب، مجتمعين ومنفردين أنهم يطالبون المجتمع الدولي بالقيام بمسؤولياته في ردع العدوان، والانتصار للقوانين الدولية التي تنتهكها دولة الاحتلال كل الوقت.

إذا كان على المجتمع الدولي أن يتحرك بفعالية للضغط على دولة الاحتلال فإن الأَوْلى بالعرب، أن يفعلوا ذلك قبل أن يطالبوا الآخرين.

المجتمع الدولي يتحرك بفعالية وإن كانت بطيئة حتى الآن ولا ترقى تحركاته إلى مستوى وقف العدوان الهمجي، الأَوْلى بالعرب أن يبدؤوا هم بتفعيل ما بأيديهم من أوراق قوّة.

في الواقع يعترف مؤخّراً نتنياهو أن كيانه يواجه عزلة دولية، ولكنه لا يواجه عزلة عربية وإسلامية، فبالرغم من مرور سنتين على الحرب الإبادية التوحُّشية، إلّا أن العرب والمسلمين لم يتخذوا موقفاً عملياً واحداً، كما لم تخرج الجماهير العربية إلى الشوارع احتجاجاً إلّا من رحمَ ربّي.

وللوقوف على مدى الهوان الذي يضرب أمّة العرب، فإن المواطن يتساءل عمّا يفعله العرب إزاء الصراع الدامي في السودان، وإزاء ما تعيشه ليبيا، وهما دولتان ليستا مجاورتين للفلسطينيين، ولا علاقة لهما بحسابات المحاور.

ثم ماذا يفعل العرب لسورية، بعد أن سقط نظام «آل الأسد» المحسوب على «محور المقاومة»؟ ألم تترك لوحدها، أمام العدوان الإسرائيلي شبه اليومي، والذي يحتلّ أرضاً جديدة، ويسعى لتقسيم سورية إلى دويلات طائفية.

إذا كانت أميركا قد تخلّت عن حماية قطر، فهل تقوم بحماية سورية، التي حظيت بدعم ورعاية أميركية؟ رحم الله اتفاقيات الدفاع المشترك الخليجية والعربية القديمة، التي لم يجرِ تفعيلها ولو جزئياً منذ حرب أكتوبر 1973.

كتاب الحرب لا يزال مفتوحاً، وفي انتظار ما ستفعله دولة الاحتلال، فإن من فرّط بقطاع غزّة ويفرّط بالضفة الغربية، وسورية ولبنان وقطر، سيكون فرّط بنظامه وكرامته وسيادة دولته.