الهجوم الإسرائيلي وتداعياته .. الهجوم المضاد وحدوده

الهجوم الإسرائيلي وتداعياته .. الهجوم المضاد وحدوده
هذه المرة اختلفت الصورة في مجلس الأمن الدولي.
بدت العدوانية الإسرائيلية في وضع مساءلة، لكنها لم تستوفِ شروط الردع، ولم يصدر بحقها أي إجراء يناسب خطورة الهجوم على العاصمة القطرية الدوحة لاغتيال وفد «حماس».
الإدانات كانت حاضرة في كلمات الوفود، وتناثرت في المكان عبارات وصفت إسرائيل بـ«الدولة المارقة» وسلوكها بـ«إرهاب الدولة».
كان مثيراً للالتفات أن البيان الصحافي، الذي كتب مسبقاً قبل ذلك الاجتماع، بدا مرتجفاً في صياغته حتى أنه لم يأتِ على ذكر إسرائيل بالاسم، كأنها فوق المساءلة وفوق القانون الدولي نفسه.
في الجلسة العامة أُدينت إسرائيل من كل الوفود؛ فرنسا وإنجلترا وروسيا والصين معاً، وبدت الوفود العربية والإسلامية أكثر توحداً ووضوحاً في لغة الإدانة.
وجدت إسرائيل نفسها وحيدة، ولم تحظَ بالدعم الأميركي المعتاد.
لم يكن أحد في العالم مستعداً لأن يدافع عن الخرق الفاضح للقانون الدولي، أو أن يجد نفسه في صف واحد مع دولة ترتكب الإبادة الجماعية والتجويع المنهجي في غزة، وتتوعد المنطقة كلها بالتهجير القسري وإعادة رسم خرائطها بالقوة.
بصورة أو بأخرى بدا العالم العربي موحداً تحت سقف عبارة: «نقف مع قطر فيما تقرره من إجراءات».
لم يكن ذلك هجوماً مضاداً قوياً ومنسقاً. إنه «نصف هجوم مضاد» تغلبه الإدانات الشفاهية وتغيب عنه الإجراءات الرادعة.
القمة العربية الإسلامية، التي تُعقد في الدوحة، تمثل اختباراً آخر.
إذا أخفقت في تجاوز سقف ما جرى في مجلس الأمن فإن الفشل محتم.
وإذا نجحت في التوصل إلى إجراءات عقابية مشتركة بحق إسرائيل كـ«دولة مارقة» في الاجتماعات الوشيكة للجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنها خطوة كبيرة إلى الأمام.
لا تكفي الدعوة إلى «الدولة الفلسطينية»، أو الاحتفاء بانضمام دول غربية وازنة لموجة الاعتراف بها.
الفكرة رمزية تماماً إذا لم تسندها قوة ردع دولية وموقف عربي متماسك يعرف كيف يستثمر سياسياً في موارده وإمكانياته ومواقعه الاستراتيجية.
إذا غابت الإرادة السياسية، فإن كل الدعوات إلى دولة فلسطينية سوف تتبدد تحت الجرافات الإسرائيلية، التي تواصل التوسع الاستيطاني دون اعتداد بما يصدر عن المنظمات الدولية والإقليمية من قرارات أو إدانات.
أمام ما بدا أنه إجماع عربي ودولي على إدانة الهجوم الإسرائيلي، وتقويض أي فرصة لسلام ما، أعلن بنيامين نتنياهو عن توسع استيطاني جديد باسم «إى 1»، الذي ينذر بتقويض الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وإنهاء السلطة الفلسطينية.
إننا أمام حالة توحش تتصور أن بوسعها إعادة هندسة الشرق الأوسط على حساب كل ما هو عربي.
الضعف يُغري بالتغوّل.الحقيقة أنهم ليسوا أقوياء إلى هذا الحد.. ولا نحن ضعفاء إلى هذا الحد.
السؤال الحقيقي الآن: كيف نستثمر الإدانات الدولية والعربية الواسعة لبناء موقف عربي قادر على وقف التغوّل الإسرائيلي؟
الرهانات محدودة للغاية، لكن إذا أفلتت الفرصة فإن العواقب سوف تكون وخيمة.
«إذا لم تفعلوا ذلك، سوف نفعله نحن».
كان ذلك إنذاراً ردده المندوب الإسرائيلي في مجلس الأمن، كأنه رجع صدى لتهديدات نتنياهو، التي قال فيها حرفياً إنه إذا لم تطرد قطر وفد حماس، أو تقدّمهم للعدالة، فإنه سوف يتولى المهمة بنفسه.
ليس مستبعداً تكرار الهجوم لاغتيال قيادات «حماس» في الدوحة، أو أي مكان آخر.
بعبارة أخرى أكثر سفوراً: «سنفعلها مرة أخرى».
يناقض ذلك التصريح تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بألا يتكرر الهجوم على الدوحة مرة أخرى. كما يناقض ما قاله أمام الكاميرات: «نأمل ألا يؤثر الهجوم على جهود صفقة الرهائن».
إذا لم تكن هناك وساطة مقبولة، قطرية ومصرية، يصعب الحديث عن أي صفقة أو تسوية.
يستهدف نتنياهو بالضبط أي فرصة لوقف إطلاق النار، ولا تعنيه قضية الرهائن إلا بقدر تأثيرها على فرصه السياسية في انتخابات الكنيست المقبلة.
إلى أي حد تورط ترامب في الهجوم الإسرائيلي؟ هناك فرضيتان متناقضتان:
الأولى: أنه شريك كامل في التخطيط والتنفيذ. في البداية أبدى غضبه من ضرب الدوحة، لكنه في الوقت نفسه لم يُخفِ سعادته بالتخلص من قيادات «حماس» قبل أن يتكشف أنهم نجوا جميعاً من الاغتيال.
الثانية: أن نتنياهو صاحب القرار الأول والأخير، وأن ترامب أُبلغ بالعملية قبل وقوعها مباشرة.
هذه فرضية يصعب تقبلها أو الاقتناع بها، رغم ادعاء نتنياهو أنه المسؤول وحده عن الهجوم تخطيطاً وتنفيذاً.
إذا صحت الأولى، فهذا تأكيد جديد على أنه لا يمكن الوثوق بترامب وأي تعهدات تصدر عنه.
وإذا صحت الثانية، فإنها اعتراف بضعفه الفادح أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي.
أكثر الأسئلة خطورة وأهمية الآن: ما مدى تأثير الهجوم على مفاوضات الدوحة؟ بصياغة أخرى، هل أُزهقت تماماً أي رهانات عليها؟
أكدت الإجابة القطرية: «إننا ملتزمون سياسياً وإنسانياً بنفس الدور».
كيف يمكن فهم هذا الالتزام المفتوح، حدوده وتبعاته؟ هل نعود مرة أخرى إلى نفس اللعبة التفاوضية دون أفق سياسي أو جدية حقيقية في إنهاء حربي الإبادة والتجويع على غزة؟
وهل يعود الوفد التفاوضي الإسرائيلي إلى زيارة الدوحة بداعي التفاوض دون أن يكون مفوضاً بالتوصل إلى صفقة ما؟
الأسئلة الحرجة لا تتعلق بقطر وحدها. في القمة العربية والإسلامية اختبار جديد لأقصى ما يمكن تبنيه من مواقف وسياسات. الإرادة المشتركة على محك المواقف العملية.