نشر بتاريخ: 2025/09/19 ( آخر تحديث: 2025/09/19 الساعة: 13:40 )
رجب أبو سرية

ترامب الشريك في جرائم الحرب

نشر بتاريخ: 2025/09/19 (آخر تحديث: 2025/09/19 الساعة: 13:40)

من يتابع تفاصيل موقف الإدارة الأميركية الحالية تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية، وحتى ما يخص مشروعها الاستعماري تجاه الشرق الأوسط المسمى إسرائيل الكبرى، لا يساوره أدنى شك، بأن رباعي الإدارة الرئيسي، ممثلا بالرئيس دونالد ترامب، جي دي فانس، ماركو روبيو وستيف ويتكوف، يبدون كما لو كانوا أعضاء في حكومة الحرب الإسرائيلية، ولا يمكن لأحد أن يستوعب حجم التماهي لهذا الرباعي، ليس مع إسرائيل، بل مع الفاشيين الإسرائيليين، الذين ضاق نصف شعبهم بهم ذرعاً، وما زال يتظاهر اسبوعياً منذ تم تشكيل اكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً منذ اقامة الدولة، ولا يظهر ستيف ويتكوف على انه ممثل لدولة راعية للتفاوض، بل كما لو كان مندوباً عن نتنياهو في مجموعة رعاية التفاوض المشكّلة من مصر وقطر وحسب.

وفي تفاصيل الصراع المحتد، والذي اتضح لكل انسان على هذا الكوكب، بأنه يتجاوز فلسطين وحماس وحتى ايران واذرعها، وما قصف قطر، والاستمرار في التطاول على لبنان وسورية، إلا غيض من فيض الهوس الاستعماري الإسرائيلي، الذي بات ينظر الى كل الشرق الأوسط على انه محمية إسرائيلية، او حديقة خلفية لدولة لا تقيم وزناً في هذا العالم إلا للقوة العسكرية، تماماً كما فعل من قبل كل أعداء البشرية من نازيين وفاشيين. وإدارة ترامب، ومنذ تسعة اشهر، لم تعارض نتنياهو فيما يخص الملف اللبناني، بل واصلت التكفل بالقيام بالمهمة الإسرائيلية على الجبهات كلها، حتى تتفرغ عجلة الإبادة الإسرائيلية لفلسطين عموماً ولغزة خصوصاً، وآخر ما طلعت به تلك الإدارة المتورطة في جرائم الحرب الحالية، هو انها عرضت على الجيش اللبناني ملايين الدولارات لمساعدته في جمع سلاح حزب الله، وليس في إعمار لبنان، او الأخذ بيده لا نحو المصالحة الداخلية ولا نحو التعافي الاقتصادي.

وفي سورية لم تخرج كلمة واحدة على لسان اي من جوقة فرض «السلام بالقوة»، ولا أحد بالطبع يمكنه ان يفهم كيف يمكن الجمع بين السلام والقوة، والقوة قهر والسلام تعايش، لم تخرج كلمة لا تدين ولا تنتقد مواصلة إسرائيل «سفالتها» في سورية، التي وصلت الى حدود فرض الاحتلال غير المباشر على كل الجنوب السوري، بدعوى جعله منطقة أمنية حتى حدود العاصمة دمشق، وأكثر من ذلك التدخل في العلاقة بين المكونات الطائفية للشعب السوري، وكأن الدروز هم مواطنون إسرائيليون، او حتى «يهود» يعيشون كمقيمين في بلد آخر.

وحتى فيما يخص اليمن، ورغم ان إدارة ترامب اضطرت صاغرةً للتفاهم مع الحوثي لوقف إطلاق النار بين الجانبين دون إسرائيل، فإن إدارة ترامب لا تنطق ببنت شفة ازاء الغارات الإسرائيلية على المدنيين اليمنيين والمنشآت الحيوية اليمنية، أما فيما يخص ايران فقد وصل التواطؤ الأميركي في ظل إدارة ترامب مداه، حين شارك آلة الحرب الإسرائيلية غاراتها على المفاعلات النووية السلمية الايرانية، بعد ان تأكد من عجز ما في جعبة إسرائيل من أسلحة دمار وقتل أميركية على اختراق المواقع المحصنة تحت الأرض، خاصة في موقع فوردو، اي ان إدارة ترامب تواصل تزويد آلة حرب الإبادة بكل ما تحتاجه من عتاد واقمار صناعية للتجسس ومن معلومات، وظهر هذا في غزة وفي لبنان اكثر من غيرهما، هذا فضلاً عن التصدي لجبهة السياسة الخارجية والقضاء الدولي، وكانت إدارة ترامب سارعت الى شن حرب على المحكمة الجنائية الدولية، لأنها جرمت نتنياهو وغالانت كمجرمي حرب، في حين ان عداد مجرمي الحرب لا يقتصر على هذين وحسب.

فالتجريم الدولي يجب ان يشمل هيرتسي هاليفي وقد اقر بنفسه قبل ايام بأنه لم يكن مقيداً باستشارات قانونية إسرائيلية، وانه هاجم غزة «دون قفازات»، كذلك خلفه ايال زامير الذي يواصل حرب الإبادة رغم انه تولى قيادة الحرب بعد قرارات دولية وقضائية تطالب بوقفها، ويجب ان يشمل عداد مجرمي الحرب كل أعضاء حكومة حرب الإبادة، الذين لم يحتجّ واحد منهم على تفاصيلها، بل وتورطوا في اعلانات صريحة تدينهم بكل سهولة بصفة مجرمي الحرب، من قبيل الحض على القتل والتهجير والتجويع، ولعل نماذج ابن غفير وسموتريتش وإسرائيل كاتس وجدعون ساعر، فاقعة على هذا الصعيد، بل لا بد من ملاحقة وتجريم كل من شارك في قتل وجرح ربع مليون انسان، اكثر من 90% منهم مدنيون، واكثر من 70% من ضحايا الحرب وفق الأمم المتحدة نساء وأطفال.

لكن التجريم يعتبر شفاء لدولة إسرائيل من داء الحرب، وكما يعتبر إسقاط أنظمة حكم الاستبداد تحريراً لشعوبهم من ويلاتهم، ذلك ان العزلة الدولية والحرب الإقليمية التي جر فاشيو حكومة الحرب إسرائيل اليها، تعني نتيجة وحيدة، وهي هزيمة إسرائيل، وتعرضها لمستقبل صعب، سيطال ليس فقط غزة، ولا فلسطين وقد حصل حتى الآن، ولا لبنان وسورية واليمن والعراق وإيران وقطر ومصر، وحسب، بل في نهاية الأمر ستنهزم القوة الاستعمارية الإسرائيلية، خاصة في ظل تحدٍ عالمي للنظام العالمي الأميركي، يرافقه اصطفاف اقليمي عربي _اسلامي ضد إسرائيل الكبرى التي تهدف حرب الإبادة الى اقامتها، وقد بدا ذلك واضحاً في قمة الدوحة الأخيرة.

اما الأدلة على انخراط إدارة ترامب في تفاصيل تؤكد بأنها إدارة فاشلة، فهي كثيرة، وكل ما تشدق به ترامب من حروب تجارية ذهب ادراج الرياح، وكل ما ادعاه من قدرة على وقف الحروب، لم يكن أكثر من ادعاءات وهمية، تدل على رجل لا يفهم شيئاً في السياسة الدولية، وهذا يطرح سؤالاً كبيراً ومهماً للغاية حول الهدف من إدخاله للبيت الأبيض، فهل النظام الأميركي بات متهالكاً الى هذه الدرجة حتى يكون ممكناً لأي شخص غير مؤهل دخول البيت الأبيض، أم ان ترامب كان بمثابة محطة عابرة لتجديد شباب الحزب الجمهوري، وان ترامب بتهريجه ساعد الحزب فقط على الفوز بانتخابات الرئاسة، وأن من يدير الدفة هو جي في فانس ومارك روبيو، وما يدفعنا الى الذهاب الى هذا التقدير، هو ان ترامب يقول كلاماً كثيراً عن نتائج مرتقبة لا تتحقق، بما يعني بأنه إما يقوم بمهمة تضليل الرأي العام لتسهيل مهمة فانس في إدارة الحكم، أو انه لا يعلم شيئاً، كما يؤكد بأن سيد البيت الأبيض، لا يغادر منصة «تروث سوشيال».

ومبكراً ظهر ترامب شخصياً كما لو كان ملكياً فيما يخص حرب الإبادة اكثر من اصحابها، حين اعلن بأنه يسعى الى تهجير سكان قطاع غزة، ووضع يده عليها لتحويلها الى «ريفيرا شرق أوسطية»، وبالفعل ظهر بأن ذلك عبارة عن خطة يجري إعدادها عبر صهره جاريد كوشنير سيئ الصيت والسمعة صاحب «اتفاقيات ابراهام»، والموظف لدى توني بلير، منذ عامين، وتهدف الى ان تدير أميركا القطاع لمدة 10 سنوات، بما أجج من حماس مجرمي الحرب الذين رفضوا وقف الحرب منذ وقت طويل، ثم توالت ظواهر التواطؤ الأميركي مع نتنياهو وجوقة حكومته الفاشية، من خلال مقترحات ويتكوف، الذي لم يحتجّ أولاً على تنصل نتنياهو من متابعة صفقة كانون الثاني، ثم تنصله من الموافقة على مقترحه في حزيران بعد موافقة حماس عليه، ثم توافق إدارة ترامب تماماً في كل ما يقوله نتنياهو او ما يعلنه من شروط مستحيلة لوقف الحرب، وهو الاستسلام الكامل للمقاومة الفلسطينية، هذا فضلاً عن الصمت تجاه ارهاب المستوطنين في الضفة، وصولاً الى معارضة إعلان نيويورك، والتصويت ضد العالم مع إسرائيل وثلاث دول اخرى وخمس هامشية من اصل 194 دولة.

وآخر نسخة تثبت التواطؤ، بما يؤكد عدم استحقاق أميركا لا لتكون دولة تقود نظاماً عالمياً، ولا إدارة مؤهلة للقيام بدور الوسيط أو الراعي للتفاوض، ولا حتى ان تكون حليفاً موثوقاً لأحد، خاصة دول الخليج العربي ومصر وسورية والعراق، هو عدم معارضة ترامب، مع علمه بالغارة الإسرائيلية على قطر، ثم وبعد سلسلة من التهديدات من قبل ترامب شخصياً لحماس، والتي بدا معها كما لو كان عضواً في حكومة نتنياهو او حتى موظفاً في مكتبه الدعائي، من قبيل ان تقبل تلك الخطة او الجحيم، هو ما وجهه من تحذير لحماس من نقل المحتجزين الى خارج الأرض في مواجهة «عربات جدعون 2».