نشر بتاريخ: 2025/10/08 ( آخر تحديث: 2025/10/08 الساعة: 13:38 )
فيحاء عبد الهادي

روايات التهجير منذ 1948: آمـنـة مصطــفــى طـويـر

نشر بتاريخ: 2025/10/08 (آخر تحديث: 2025/10/08 الساعة: 13:38)

حين روت «آمنة مصطفى طوير» العام 2021، تفاصيل تهجيرها من قرية صبّارين/جنوب حيفا، طفلة في الثامنة، العام 1948، وتفاصيل تهجيرها من مخيم طولكرم، شابة في العشرين، العام 1967، لم يدر بخلدها أنها سوف تكون شاهدة على تفاصيل تطهير عرقي جديد في مخيم طولكرم، منذ كانون الثاني العام 2025، بعد أن شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً على الشعب الفلسطيني في غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.

كان هذا فوق احتمالها. ولدت الفقيدة العام 1940، ورحلت عن عالمنا يوم 30 أيلول 2025.

حين نقرأ شهادتها اليوم عن قريتها صبّارين، التي هدمت عن بكرة أبيها، بعد أن تمّ تطهيرها عرقياً، العام 1948، نحسّ بأننا أمام بعض ما حدث ويحدث في غزة، في خضمّ الإبادة الجماعية؛ عين على ما حدث من تطهير عرقي ومجازر في الماضي، وعين على ما يحدث من تطهير عرقي ومجازر في الحاضر.

تبيِّن روايتها تفاصيل تهجير أهل صبارين والقرى المجاورة، حين مارس الجيش الإسرائيلي في القرية أساليب القتل والترويع بأشكالها كافة، وبشكل ممنهج، حتى يدفع الناس بالقوة لمغادرتها.

لم يكتفِ بالقصف المكثف عن طريق الطائرات، بل كان أفراده يدخلون إلى البيوت، ويبدؤون بالضرب حيناً، والقتل حيناً، مثل ما حدث مع شقيقتها عفيفة، التي أخرجوها مع ابنها وابنتها من بيتها، وطلبوا منها أن تدير ظهرها؛ ليطلقوا الرصاص على ابنها «أحمد أبو قصيدو»، ويعدموه على التوّ.

وكانت قوات الجيش تذهب إلى أراضي القرية، لتقتل من تجده هناك، مثل ما حدث مع «جبر محمد أبو قصيدة»، الذي قتل في أرضه.

ورغم تحذير مخاتير البلدة لأهلها من الرحيل: «ممنوع تطلعوا لو انكم مُتّوا»؛ خاف العديد من الناس، من القتل والذبح، ولم يستجيبوا لتحذيرهم، وخرجوا من القرية: «طلعوا ما ردّوش ع المخاتير. والله ما أخذوا معاهم لحاف يتغطّوا فيه. صاروا يجيبوا لهم من إم الفحم ومن عرعرة ومن كفر كرع يغطّوهم تحت الزيتون».

وهذا ما حدث مع كبار السن من رجال القرية، ممن آثروا البقاء في القرية رغم كل شيء، جمعهم الجيش، وحقق معهم، واحتجزهم مدة أسبوع، دون طعام أو شراب، ما دفعهم إلى أن يطلبوا الالتحاق بعائلاتهم، ما جعل الجيش يرميهم بجانب عارة وأم الفحم.

تحدّثت بفخر وإعجاب عن خالها المختار، الذي كان مطلوباً لجيش الاحتلال؛ لأنه كان يخفي الثوار في بيته، ومن بينهم ولدا شقيقته الثائران والمطاردان: «عثمان»، و»مصعب»؛ اللذان كانا يأتيان إليه من عين غزال.

*****

هجِّرت آمنة طوير مع والدها وشقيقتها وشقيقها وزوجة أبيها من صبّارين مشياً على الأقدام، حملت الطفلة آمنة ابن خالها الطفل، ووصلوا قرب أم الفحم، وبقوا فترة تحت الشجر: «وجينا كعدنا تحت زتون، القارص أكلنا، الحشرات أكَلِنّا، والله وفيه نسوان ولدن تحت الشجر».

كان يصلهم الطعام والشراب من أم الفحم وعرعرة، إلى أن ذهبوا إلى عرعرة عند عمة آمنة، وسكنوا عندها، وكان ذلك في حزيران، حيث موسم الحصاد.

تذكرت كيف كان بعض من وصل القرية يتسلل إلى أرضه على الحمير؛ كي يحصد القمح، رغم الخطر الذي يتربّصه لو التقاه جيش الاحتلال.

بقيت آمنة مع والدها عند عمتها مدة خمس سنوات، وحين توفي والدها في عرعرة؛ أصرّت على مغادرة القرية.

انتظرها خالها على الحدود، وذهبت معه إلى يعبد، حيث أقامت شقيقتها أيضاً، ثم انتقلت مع خالها إلى مخيم طولكرم، وسكنت معه في خيمة، إلى أن تزوّجت، وأقامت مع زوجها في غرفة بناها هو وأمه في المخيم قبل زواجه.

*****

حين وصفت آمنة حياة المهجَّرين في الخيم، أطلّ كابوس الخيمة، التي اضطرّ أهلنا المهجّرون من غزة للإقامة فيها حين رحِّلوا أكثر من مرّة من مكان إقامتهم في القطاع خلال الإبادة.

تحدّثت عن الحياة البائسة في الخيمة خاصة في الشتاء، التي وصلت إلى حدّ الإطاحة بحياة العديد من الأطفال المهجّرين.

وبقي حال الخيم على بؤسه إلى أن تحوّل إلى دور، بناها القادرون على العمل بجهدهم (من طين)، وبناها من لا يقدر على العمل بمساعدة «الأونروا».

*****

أما ذكريات آمنة طوير عن تهجير العام 1967، فهي مختلفة، لأنها عادت إلى المخيم بعد تهجيرها لمدة قصيرة.

حين دخل الجيش الإسرائيلي مخيم طولكرم، وبدأ في قصف المخيم قصفاً شديداً، نزحت مع العديد من سكان المخيم إلى سهول بلدة كفر اللبد/ شرق مدينة طولكرم، وبقيت شهراً هناك تحت الشجر، وعلى يدها ابنها الذي كان يبلغ أسبوعاً من عمره، عادت بعدها إلى المخيم.

وفي طريق العودة وجدت «أبو حسن» الفرّان مقتولاً على جانب الشارع، وإلى جانبه وجدت عدداُ من القتلى من سكان المخيم.

*****

تأثرت آمنة طوير، كما تأثر العديد من المهجّرين/ات من كلمة لاجئين/لاجئات، التي كان يطلقها الفلسطينيون والعرب على كل من هجّر من بلده، وكأنها مسبّة.

وفي كلمات دالّة ومؤثرة وموجعة أنهت حديثها بقولها: «طب إحنا لاجئين، لَجأنا من خاطرنا؟ ما هي اليهود اللي جَبرَتنا إنّا نطلع من بلادنا، طَيّب إنتوا بتضمنوا حالكم إنكم ما تِطلَعوش من بيوتكم؟ ، ولكم هذول اللاجئين ما هُمِّه ولاد عائلات ومِسعَدين بَكوا ببلادهم!