نشر بتاريخ: 2025/10/14 ( آخر تحديث: 2025/10/14 الساعة: 17:40 )
مهند عبد الحميد

ضرورة كسر الاحتكار الإسرائيلي الأميركي

نشر بتاريخ: 2025/10/14 (آخر تحديث: 2025/10/14 الساعة: 17:40)

الكوفية 250 أسيراً فلسطينياً من أصحاب المحكوميات العالية والمؤبدات تنسموا هواء الحرية. 88 خرجوا من مركز التجمع في سجن «عوفر» غرب مدينة رام الله، و162 خرجوا من مركز تجمع في سجن «كتسيعوت» في النقب، وسيتم نقلهم إلى قطاع غزة قبل ان يتم إبعاد غالبيتهم إلى مصر، إضافة إلى 1718 معتقلا من قطاع غزة اعتقلوا بعد 7 أكتوبر والاجتياح العسكري لقطاع غزة. طبيعي ان يفرح أبناء وأمهات وآباء وعائلات الأسرى لكنها جاءت فرحة منقوصة. ليس لأن سلطات الاحتلال منعت الاحتفال والفرح، بل لأن الفرح غير مكتمل برفض الافراج عن قيادات وكادرات فلسطينية، ولأنها أبقت على 10050 أسيرا فلسطينيا في معسكرات الاعتقال من أصل 11100 أسير. ولأن سلطات الاحتلال تواصل معاملتها الوحشية للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وتفرض أسلوباً شاذاً ليس له مثيل إلا في أسوأ المعتقلات كـ غوانتينامو ومعتقلات الأنظمة الفاشية. والاهم لأن تحررهم جاء بعد حرب إبادة كلفت ربع مليون ضحية بين شهيد وجريح ومفقود، وبعد تدمير اكثر من 75% من العمار في قطاع غزة. رغم ذلك فإن قليلاً من الفرح تسرب من المشهد المأساوي المليء بالموت والظلم والعذاب والبؤس الذي كان على مرأى ومسمع العالم.

من أهم الاستعصاءات التي يواجهها الشعب الفلسطيني في صراعه مع الاحتلال الإسرائيلي، هي تجريده من المرجعية او المعيار القانوي الناظم الذي يمكن الاحتكام اليه في الحرب والسلم. موقف دولة الاحتلال هو الأغرب في التاريخ الحديث باستبدالها القانون الدولي والتطويرات التي أدخلت عليه بشريعة الغاب ومنطق غطرسة القوة وايديولوجيا دينية عمياء. المقاومة المسلحة التي تستهدف جيش الاحتلال ولا تمس بالمدنيين والتي يجيزها القانون الدولي -جندي مقابل جندي- تعد إرهابا بالمفهوم الإسرائيلي. والنضال اللاعنفي السلمي الجماهيري الذي يستبعد استخدام السلاح ويحاول مثلا منع المستوطنين من سرقة الأرض والمواشي يعتبر إرهاباً، النضال السياسي يعتبر إرهاباً، والمقاطعة الاقتصادية والثقافية والرياضية تعتبر إرهاباً وتندرج تحت عنوان معاداة السامية، والنضال الدبلوماسي يعتبر إرهاباً. فقط تُرِك للشعب الفلسطيني خيار علاقة السيد بالعبد، أي أن يتحول الى شعب من العبيد. ولكن حينما يثور العبيد حيث لم يسجل تاريخ البشرية استمرارا للعبودية الى ما لا نهاية، أو حينما ينفجر الأفراد جراء الإذلال والقهر ويختارون طريق العنف الذي لا يخضع لاي حساب، لا يتعظ الإسرائيليون حكومة وشعبا من قانون أن المزيد من الضغط يؤدي الى الانفجار، ولا يتوقفون عند تجربتهم مع الشعب الفلسطيني ولا عند تجارب شعوب أخرى.

تتبنى دولة الاحتلال سياسة فاشية في تعاملها مع المعتقلين السياسيين، بعد أن قدمت تجربة فاشلة عنصرية مستفزة، تجربة تؤكد ان هذه الدولة غير مؤهلة للتعاطي مع المعتقلين بالاستناد لأحكام القانون الدولي، ومن المفترض أن تخضع للمساءلة والمحاسبة ولا تُترك لتقرر وحدها سياسة التعامل مع الأسرى والمعتقلين. وبالمثل اكدت حرب الإبادة والتدمير والتطهير العرقي والتجويع والتهجير الوحشية أن هذه الدولة غير مؤهلة للتعاطي مع العقد العالمي السياسي «ميثاق الأمم المتحدة وركائزه القانونية» في كل شيء يتعلق بالشعب الفلسطيني ويستدعي النموذج الذي قدمته دولة الاحتلال في العامين السابقين، التدخل ووضع حد لاحتكارها حل الصراع، حيث لا تملك حكومة نتنياهو الكهانية غير الحل العدمي الفاشي. مضى عامان على حرب الإبادة التي استخدمها نتنياهو لبقائه في الحكم ولإعادة تشكيل وبناء النظام الإقليمي، وكان ينوي الاستمرار في الحرب عاما او عامين إضافيين لتدمر ما تبقى من قطاع غزة وتدفع ما تبقى من مواطنيه الى الهجرة القسرية، وتعبئته بالمستوطنات والمستوطنين.

بعد انكشاف الطبيعة العنصرية الاستعمارية الإسرائيلية وعجرفتها العسكرية التي رفضت أي مخرج سياسي للصراع واكتفت بالحسم العسكري فقط. كان لتدخل الشعوب دور مهم، فقد تصاعدت الاحتجاجات الشعبية العالمية على الإبادة وساهمت في نبذ دولة الاحتلال وفي وضع العوائق امام إمعانها في ارتكاب الجرائم والتدمير والتطهير العرقي. وأثرت إيجاباً على موقف حكوماتها وأخرجتها من حالة اللامبالاة الى مستوى من الاهتمام والتدخل والضغط على دولة الاحتلال. كان التطور الأهم هو كسر احتكار إسرائيل وإدارة ترامب للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وسبل وزمن حله وهو حل فاشي بغطاء «ريفيرا غزة «. عند هذا المستوى من الحراك الشعبي والحكومي الدولي، بدأ مستوى من الربط بين وقف الحرب والحل السياسي، وبدأ الاعتراف بالدولة الفلسطينية كحل للصراع، -وثيقة نيويورك وقرارات الجمعية العامة - وبدأ البحث عن آليات التطبيق وبناء المقومات. نعم، أصبحت حكومة نتنياهو معزولة ومحاطة بحالة من العداء في العواصم العالمية وجامعاتها وفي شبكات الإعلام البديل ولدى أكثرية كبيرة من الرأي العام العالمي، وبدأت الشعوب تفرض أشكالا من العقوبات الاقتصادية والعسكرية، اقتنعت إدارة ترامب بأن استمرار الحرب مسألة خاسرة وتمس بنظرية الربح كمبدأ أسمى ناظم في العلاقات الدولية. فأخذ قرارا بوقفها. لكن موقفه من حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته والخلاص من الاحتلال، وموقفه من الفعل الإبادي الإسرائيلي وإلحاقه الخسائر الضخمة بالشعب الفلسطيني بما في ذلك استباحة أراضي الضفة الغربية وغزوها بالاستيطان لم يتغير الا في الشكل. نجح ترامب في وقف حرب الإبادة وأوقف نزف الدماء الفلسطينية، وتراجع عن تهجير ملايين الفلسطينيين. لكنه لم يربط ذلك بالحل السياسي الدولي وهو إقامة دولة فلسطينية ولا بمشاركة الشرعية الفلسطينية في المرحلة الثانية من خطته انسجاماً مع موقف نتنياهو العدائي من حق تقرير المصير الفلسطيني. غير ان ترامب أبقى على مستوى من المشاركة المشروطة ومن إقامة دولة مشروطة.

كما ثبت عدم أهلية الحكومة والمؤسسة الإسرائيلية على الاستجابة لإرادة المجتمع الدولي في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ثبت أيضا عدم أهلية الإدارة الاميركية وكونغرسها لاحتكار الوساطة المنحازة بشكل كامل لدولة الاحتلال ولحلها الفاشي للصراع. لقد عطل الاحتكاران الإسرائيلي الأميركي حل الصراع كما هو محدد في هيئة الأمم المتحدة. وصب التعطيل في هدف تصفية القضية الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير دون تدخل او وصاية من أحد.

لكن خطة ترامب ببنودها العشرين تفرض نوعا من الوصاية على الشعب الفلسطيني، وتأتي على خلاف مع وثيقة نيويورك رغم تقاطعهما في وقف الحرب.

كل ما يريده ترامب وإدارته في الشأن الفلسطيني وكان متعارضا مع الحل والقانون الدولي، من الواجب معارضته وعدم التجاوب معه لأنه يحول دون إنهاء الاحتلال، وهو الهدف المركزي للشعب الفلسطيني وجوهر مشروعه الوطني.