نشر بتاريخ: 2025/10/29 ( آخر تحديث: 2025/10/29 الساعة: 11:58 )
أشرف العجرمي

الأزمة الفلسطينية: الأبعاد المتعدّدة

نشر بتاريخ: 2025/10/29 (آخر تحديث: 2025/10/29 الساعة: 11:58)

أدخلتنا حرب السابع من أكتوبر في أزمة عميقة متفاقمة ومعقدة بالإضافة إلى أزماتنا العديدة التي كنا نعيش فيها، خاصة الانقسام الذي عصف بالساحة الفلسطينية منذ الانقلاب الذي نفذته حركة «حماس» ضد الشعب الفلسطيني في حزيران عام 2007. ويبدو أن الهجوم الذي شنّته «حماس» على التجمعات الإسرائيلية في غلاف غزة هو عبارة عن تعبير عنيف عن المعضلة الداخلية التي لم تنجح الفصائل الفلسطينية في التوصل إلى حل لها. فلا «حماس» حصلت على الشرعية باستيلائها على السلطة بالقوة، ولا قطاع غزة عاش في ظروف طبيعية واستطاع التأقلم مع الحصار وسوء المعيشة، ولا النظام السياسي في الضفة قدر على التطور والقيام بواجباته بصورة طبيعية.

لا يمكن الفصل بين السابع من أكتوبر ومجمل الوضع الفلسطيني، فهو في النهاية حصيلة لعقود طويلة من الاحتلال والقمع ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني، وحصيلة لفشل القيادات الفلسطينية في تجاوز أخطر مشكلة واجهت الشعب الفلسطيني منذ نشأة الحركة الوطنية في التاريخ المعاصر. ولكن المصيبة الأكبر تكمن في أنه رغم حرب الإبادة التي تعرض لها شعبنا والكوارث الفادحة التي لحقت بنا في قطاع غزة، وإلى حد ما في الضفة الغربية التي تشهد هي الأخرى حرباً استيطانية غير مسبوقة في وحشيتها وعنفها، لا نزال في المربع الأول: مربع الانقسام والصراع على مكاسب ومواقع دون وضع مصالح الشعب وحقوقه التي من المفروض أن تتحول إلى أولوية خاصة في ظل هذه الظروف المأساوية.

اجتماعات الفصائل في القاهرة، ورغم الجهود المصرية العظيمة لتقريب وجهات نظر كل القوى الفلسطينية، لم تنجح لا في جمع كل الفصائل على طاولة واحدة، ولا في الاتفاق على قضايا محددة من المفروض أن تكون خاضعة لإجماع كل القوى، مثل تشكيلة اللجنة الإدارية «التكنوقراط» لإدارة غزة في المرحلة الانتقالية. وبقي الوضع على حاله من حيث أن الأطراف انقسمت إلى مجموعتين مختلفتين.. مجموعة تضم حركتَي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» والجبهتين الشعبية والديمقراطية وبعض الفصائل الموجودة في سورية و»تيار الإصلاح» الذي يقوده محمد دحلان. وغابت فصائل أخرى في مقدمتها «فتح» وحزب الشعب وفدا وجبهة النضال الشعبي وبعض الفصائل الأخرى. المجموعة الأولى ترى أنه يجب أن نسارع في تشكيل اللجنة والاستجابة للموقفَين العربي والدولي، والموافقة على دور غير رسمي للسلطة في علاقتها مع لجنة التكنوقراط، وأن دور السلطة يأتي بالتدريج من خلال العمل على الأرض. أما موقف «فتح» والفصائل الأخرى القريبة منها، فتعتقد أن التنازل عن دور واضح ورسمي للسلطة الآن، خاصة لجهة مسؤولية الحكومة عن اللجنة وتعيين أحد الوزراء على رأس اللجنة، يعني أنه سيتم تكريس الفصل بين غزة والضفة، وسيمنع إعادة توحيد شقَّي الوطن.

الخلاف في الواقع ليس مجرد عدم اتفاق بين الفصائل، بل هو أعمق من ذلك، ومرتبط بأبعاد إقليمية ودولية. فالولايات المتحدة في خطتها التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب لا تحدد دوراً للسلطة في إدارة غزة في اليوم التالي، وربطت وجود السلطة بتنفيذ برنامج إصلاحات تريده واشنطن، وعندها يمكن التفكير بدور للسلطة، ويمكن عندئذ الحديث عن مسار موثوق لتطبيق حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية. طبعاً هذه صيغ مبهمة وغامضة لا يستوي معها الموقف الفلسطيني الرسمي الذي يبحث عن دور واضح منذ البداية. وإسرائيل كذلك ترفض وجود السلطة في غزة، وتصر على عدم وجود «حماس» أو السلطة في إدارة غزة. والتشدد الإسرائيلي تجاه السلطة عملياً لا يقل عنه تجاه «حماس» وربما أكثر. وهذا الموقف يعقّد المشهد ويزيد من تصلب الإدارة الأميركية.

مصر تضطلع بدور مهم في محاولة تثبيت وقف إطلاق النار لوضع حد نهائي للحرب وعدم العودة إليها، وعدم تمكين إسرائيل من استئنافها تحت أي ذريعة أو مبرر. وقطع الطريق على مشروع التهجير الذي تسعى له بكل الوسائل، ولهذا يهمّ القيادة المصرية أن يتم الآن وقبل الغد إغلاق ملف جثث الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، والإسراع في تشكيل اللجنة الإدارية، والوصول إلى توافق وطني فلسطيني حول كل ملفات غزة. ولهذا تسعى بكل جهدها للتعجيل في دفع الإدارة الأميركية لضمان التطبيق السريع للاتفاق وإلزام إسرائيل بتنفيذه.

ويجب أخذ الحسابات الإقليمية والدولية بالحسبان في اتخاذ أي موقف. وينبغي الموازنة بين المصالح والحسابات المختلفة، ولكن من المهم الخروج من الأزمة بأيّ ثمن.