نشر بتاريخ: 2025/10/30 ( آخر تحديث: 2025/10/30 الساعة: 12:46 )
سنية الحسيني

عن فرص عودة الحرب إلى لبنان وغزة

نشر بتاريخ: 2025/10/30 (آخر تحديث: 2025/10/30 الساعة: 12:46)

من غير المرجح عودة الحرب في جنوب لبنان وغزة، رغم هشاشة حالة وقف إطلاق النار في المنطقتين. ويبدو أن الولايات المتحدة التي أرست في الحالتين هدنة أو حالة من وقف إطلاق النار، تسعى لتمكين إسرائيل من تحقيق أهدافها من حربها على البلدين، فما لم تستطع إسرائيل تحقيقه في الحرب، تحققه في ظل حالة أقل من الحرب، بعيدة عن الاستقرار والهدوء، تعتمد استراتيجية الضغط على بيروت وغزة. لم يعد هناك شك في موقف الولايات المتحدة الداعم بالكامل لإسرائيل، ولكن يبدو أنها قررت مساعدة إسرائيل في تحقيق أهدافها في فلسطين ولبنان، من خلال استراتيجية جديدة تقوم على التواصل والضغط على أنداد إسرائيل، مع السماح لإسرائيل باشتباك محدود معهم. في لبنان، وهي الجهة التي بدأت الولايات المتحدة بتفعيل استراتيجيتها الجديدة فيها، أرست هدنة في نهاية العام الماضي، خرقتها إسرائيل في ساعاتها الأولى، بينما التزمت لبنان بتنفيذها. ورغم ذلك تضغط الولايات المتحدة على الحكومة اللبنانية لتنفيذ شروط تجاوزت بنود الهدنة، وتعتبر شأناً خالصاً لبنانياً، وتهدد الأمن والسلم الداخلي اللبناني. ولا تكتفي الولايات المتحدة بتبرير خرق إسرائيل لبنود الهدنة مع لبنان، بل تهددها بإجراءات إسرائيلية أكبر، في حال عدم الانصياع اللبناني لشروط الولايات المتحدة، التي تجاوزت البنود المتفق عليها. وفي غزة، وبينما التزمت حركة حماس بتسليم المحتجزين الأحياء، بمجرد سريان الهدنة، وبدأت بالبحث عمن قتل منهم تحت أنقاض المباني التي دمرها القصف الإسرائيلي، وسمحت لأطراف خارجية بالتدخل ومساعدتها بالبحث عن القتلى الإسرائيليين، خرقت إسرائيل شروط الهدنة تحت ذرائع واهية، وواصلت القصف والقتل وتحكمت بدخول المواد الغذائية والطبية الأساسية. وتهدد الولايات المتحدة حركة حماس بالتدمير إن لم تسلم جثث المحتجزين، بينما تواصل إسرائيل احتلال القطاع واستهداف المواطنين والتحكم بدخول المواد الأساسية، في خرق فاضح لبنود تلك الهدنة. ورغم تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة برفض ضم إسرائيل الضفة الغربية والتشديد على أنه لن يسمح بذلك، إلا أن الحكومة الأميركية لا تنتقد إجراءات إسرائيل المعلنة والضم الصامت على الأرض، ولا تعتبر الضفة الغربية أرضاً محتلة، ولا تنتقد عنف المستوطنين المدعوم من حكومة الاحتلال في تلك الأراضي الفلسطينية. الجدير بالذكر أن خطة الضم كانت مدرجة ضمن صفقة القرن التي قدمها ترامب في حقبته الرئاسية الأولى. في حين تواصل الإدارة الأميركية الضغط على السلطة الفلسطينية وتواصل معاقبتها مالياً وسياسياً، وتتخذ مواقف حادة من الدول التي اعترفت مؤخراً بالدولة الفلسطينية.

في لبنان، يعتقد عدد من المتابعين والمحللين أن التصعيد الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة يشير إلى احتمال عودة للحرب مع لبنان، إلا أن مؤشرات أخرى تشير لعكس ذلك. فالتصعيد الاسرائيلي الميداني لم يتوقف منذ بدء سريان الهدنة بوتيرة متباينة، وإن اشتداده لا يعني بالضرورة نية إسرائيل استئناف حرب واسعة. على الجانب الآخر، تشير المعطيات الميدانية إلى تخفيض عدد جنود الاحتياط على الجبهة الشمالية، وإلغاء أوامر استدعاء سابقة، وبدء تسريع عودة المستوطنين اليهود لمستوطنات الشمال، بالقرب من الحدود اللبنانية. ويبدو من تصريحات نتنياهو وأركان حكومته، وخبراء إسرائيليين عسكرين أن إسرائيل تفضل إخضاع الحكومة اللبنانية للضغط لإجبارها على نزع سلاح حزب الله بالكامل، وعدم الاكتفاء فقط بما نصت عليه شروط الهدنة الأخيرة. وارتبطت شروط هذه الهدنة، المتعلقة بسلاح حزب الله بالقرار الأممي ١٧٠١، الذي يشير إلى نزع سلاح الحزب من منطقة جنوب الليطاني، وهو ما التزمت به الحكومة اللبنانية، بتفاهم مع حزب الله. إلا أن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط وضع شرطاً صريحاً على الحكومة اللبنانية بضرورة حظر سلاح الحزب في الأراضي اللبنانية كافة، وهو ما يتطابق مع مطالب إسرائيل العلنية، وإلا ستخضع لمزيد من الهجمات الإسرائيلية وعقوبات اقتصادية، في بلد لا يزال يعاني من آثار الحرب. وتواصل إسرائيل ضغوطها على الدولة اللبنانية بمواصلة خرق مسكوت عنه للهدنة وشن مزيد من الغارات اليومية على لبنان. كما تستمر إسرائيل بالتواجد في خمسة مواقع جديدة داخل الأراضي اللبنانية احتلتها بعد الحرب، داخل الأراضي اللبنانية، وتعمل على تغيير واقعها الجغرافي، وكأنها ترتب للبقاء فيها، رغم نص بنود الهدنة بضرورة الانسحاب منها، هذا بالإضافة لاحتفاظها بالأراضي التي كانت تحتلها قبل الحرب. وتقوم إسرائيل كذلك باستهداف الأراضي الزراعية وتحركات المواطنين اللبنانيين في قرى الجنوب، لتعطيل عودتهم للحياة الطبيعية، في مستوى آخر من مستويات الضغط على الحكومة اللبنانية. لذلك يبدو أن إسرائيل وبالتعاون مع الولايات المتحدة قد قررت الاكتفاء بما حققته من إنجازات ميدانية في حربها الأخيرة على لبنان، ولا تنوي الاستمرار في حرب شاملة، تتطلب تواجداً برياً للقضاء على حزب الله، وتعتمد وحليفتها الأميركية على استراتيجية الضغط على الحكومة اللبنانية، لتحقق بذلك ما لم تحققه في الحرب بالقضاء على سلاح حزب الله. وفي النهاية، يعد ذلك الأمر شأناً لبنانياً خالصاً، يقرره الشعب اللبناني، والحكومة والأحزاب اللبنانية فقط، ووفق مصلحة البلاد، ولا يحق لأي طرف خارجي مهما كان أن يستغل أزمة لبنان الاقتصادية والإنسانية، خصوصاً بعد الحرب، لفرض شروط عليها. في حين يعد الاعتداء على أراضي الغير واحتلالها بالقوة شأناً دولياً، على قوى العالم ومنظماته التدخل لإحلال الأمن والاستقرار.

في فلسطين، يبدو الحال الفلسطيني أشد تعقيداً من لبنان، فالهدنة التي جاءت بها الولايات المتحدة ضمنت لإسرائيل خروج جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء، والبحث عمن تبقى منهم تحت الأنقاض، في حين لا يزال الاحتلال في غزة يسيطر على مفاصلها، بينما يستمر القصف والاستهداف وقتل المدنيين، وآلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ناهيك عن رفض الاحتلال تسليم مئات الجثث لفلسطينيين محتجزين لديها. لا يزال الوضع القائم في قطاع غزة شديد الصعوبة، فوقف الحرب لا يُنهي الأوضاع المأساوية التي يعاني منها سكان القطاع، وقد يمكن استمرار الوضع القائم جيش الاحتلال من تحقيق أهدافه. على الجانب الآخر، يعمل الاحتلال وداعموه لنزع سلاح حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة، دون القدرة على تحقيق ذلك، كما لم يتم ترتيب خطوات تشكيل لجنة فلسطينية تدير القطاع، وتحديد معطيات التدخل العربي في تلك العملية، وتبدو جميع تلك القضايا الجوهرية لاستقرار القطاع غامضة وغير واضحة. وبينما يُطلب من الفلسطينيين في الضفة المنزوعة السلاح بالإصلاح، وفي غزة المسلحة بشكل بدائي بنزع سلاحها، تواصل الولايات المتحدة الضغط على الفلسطينيين، بينما تترك إسرائيل طليقة اليد في تعطيل الحياة الفلسطينية في كافة مناحيها.

وتتطابق ذات الاستراتيجية الأميركية بالضغط على اللبنانيين كما الفلسطينيين، لتمكين إسرائيل من إنجاز ما لم تحققه بالحرب، من خلال هُدَن واتفاقيات ووقف إطلاق النار، وضغوط اقتصادية، وتصعيد إسرائيلي، بالاعتماد على عامل الزمن، في بلدين أنهكتهما الحرب.