نشر بتاريخ: 2025/07/08 ( آخر تحديث: 2025/07/08 الساعة: 18:28 )

غسان كنفاني.. حين تتحوّل الكلمة إلى بندقية

نشر بتاريخ: 2025/07/08 (آخر تحديث: 2025/07/08 الساعة: 18:28)

الكوفية في تاريخ فلسطين المعاصر، قلّما وُلد من يشبه غسان كنفاني لم يكن مجرد كاتب، بل أيقونة نضالية، جعل من قلمه وسيلته للمقاومة، ومن أدبه حصنًا للهوية، ومن كلماته طلقات تُرعب الاحتلال أكثر من البندقية في وجه اللجوء والخذلان والشتات، كان كنفاني يكتب، لا ليحكي قصة فرد، بل ليصرخ بلسان شعبٍ بأكمله.

طفولة في اللجوء وبداية المقاومة

وُلد غسان كنفاني عام 1936 في مدينة عكّا لعائلة متعلّمة ومسيّسة، بعد نكبة 1948، اضطر مع عائلته للنزوح إلى دمشق حيث عاشوا الفقر والمنفى، منذ صغره حمل غسان شعورًا مبكرًا بالحزن لفقدان الوطن، وهو ما عبّر عنه لاحقًا في رسائله وقصصه، مشيرًا إلى لحظة تسليم السلاح في عكا باعتبارها جرحًا في ذاكرته.

في مخيّمات اللاجئين، حيث عمل معلّمًا، بدأ يكتب قصصًا قصيرة لأطفاله اللاجئين، محاولًا تعليمهم معنى الوطن والهوية عبر الكلمة، وكانت هذه بداية انطلاقته الأدبية والنضالية.

من التعليم إلى الصحافة إلى النضال

بعد دراسته الأدب العربي بجامعة دمشق، وطرده بسبب نشاطه السياسي، تنقّل غسان بين الكويت ولبنان، حيث كتب، وحرر، وانخرط سياسيًا مع حركة القوميين العرب، ومن ثم أصبح الناطق الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

عمل في عدد من الصحف والمجلات البارزة مثل الحرية، المحرر، الأنوار، والصياد، كما ترأس تحرير مجلة الهدف الناطقة باسم الجبهة، وكان يشرف على صياغة برنامجها الثوري.

أدب المقاومة: الكلمة سلاح وهوية

تُعد روايته الشهيرة "رجال في الشمس" (1963) أبرز أعماله، وقد تحوّلت إلى رمز لمأساة الفلسطيني المهاجر الباحث عن الكرامة، وانتهت بعبارة خالدة:

"لماذا لم تدقّوا جدران الخزان؟"

أعماله الأخرى مثل:

"عائد إلى حيفا " (1969

"ما تبقى لكم"

"أرض البرتقال الحزين"

"أم سعد"

جميعها شكّلت نواة أدب المقاومة الفلسطيني، وأعادت تشكيل الرواية العربية بأسلوب حداثي، قائم على تعدد الأصوات، والفلاش باك، والواقع السياسي.

الاغتيال: نهاية الجسد وبداية الأسطورة

في 8 تموز 1972، اغتال الموساد الإسرائيلي غسان كنفاني بتفجير سيارته في بيروت، ما أدى أيضًا إلى استشهاد ابنة شقيقته لميس نجم (17 عامًا)، لم يكن الهدف فقط اغتيال شخص، بل محاولة إسكات صوت الثورة الثقافية الفلسطينية.

لا تمت قبل أن تكون نداً

غسان كنفاني لم يكن مجرد كاتب يُمسك بالقلم، بل كان ثائرًا يمشي على الكلمات، يُقاوم عبر السطور، ويقاتل عبر الحروف، جسده تمزّق بانفجار، لكن فكره ظل يقاوم كل محاولات الطمس والنسيان، كان ابنًا لوطن منكوب، وصوتًا للاجئ لم يجد بيتًا سوى الورق.

لم يبحث كنفاني عن بطولة فردية، بل آمن أن الكرامة الجماعية تبدأ من الوعي، وأن التحرير يبدأ من الكلمة في زمن طغت فيه الهزائم، كان غسان يُعيد للإنسان الفلسطيني ملامحه، وتاريخه، وصوته العالي في وجه الخوف.

مات غسان كنفاني، لكن بقيت "رجال في الشمس" و"عائد إلى حيفا" تصرخان نيابةً عنه، وتُذكّرنا أننا إن سكتنا، فالموت داخل الخزّان قادم لا محالة.

كان غسان إنسانًا، وكان مناضلًا، لكنه قبل كل شيء، كان صوت فلسطين الذي لا يُغتال.