هل وقف الحرب في غزة ممكن في ظل نوايا حكومة نتنياهو؟

سنية الحسيني
هل وقف الحرب في غزة ممكن في ظل نوايا حكومة نتنياهو؟
رغم سيادة حالة من التفاؤل بين أوساط الغزيين، الذين أنهكتهم الحرب، بعد تناثر الأخبار باقتراب الوصول لهدنة، هناك عدد من المعطيات لا بد من وضعها بعين الاعتبار، سواء في ظل واقع غزة على الأرض، حيث يسيطر الاحتلال حالياً على ٧٠ - ٨٠ في المائة من مساحة القطاع، ويحجز السكان في مناطق ضيقة منه، أو في ظل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول متطلبات نهاية الحرب، أو في ظل تتبع شروط الاحتلال للموافقة على تلك الهدنة.
بعد إشارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتكررة بأنه بدأ يفقد صبره إزاء الحرب في غزة، وتصريح متحدثي البيت الأبيض بأولوية وقفها لدى ترامب، أعلن الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي عن وجود مقترح جديد لوقف إطلاق النار في غزة.
يتضمن المقترح إطلاق سراح عدد كبير من المحتجزين في غزة، حيث يضمن استمرار الهدنة ووقف العمليات العسكرية طوال أيامها الستين، وإجراء مفاوضات لوقف إطلاق النار بشكل دائم خلال تلك الأيام.
ينص مقترح ترامب على إطلاق سراح ١٠ محتجزين أحياء وجثامين ١٨ قتيلاً منهم على خمس مراحل، مقابل وقف إطلاق النار لمدة ٦٠ يوماً، ودخول المواد الإنسانية الأساسية إلى القطاع، وإطلاق سراح عدد من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
وحسب المطروح، سيتم إطلاق سراح ثمانية محتجزين أحياء في اليوم الأول واثنين في اليوم الخمسين، وإعادة خمسة قتلى في اليوم السابع، وخمسة آخرين في اليوم الثلاثين، وثمانية آخرين في اليوم الستين، ليتبقى بعد ذلك ٢٢ محتجزاً في غزة، يعتقد أن ١٠ منهم أحياء.
جاءت المفاوضات غير المباشرة بين حكومة الاحتلال وحركة حماس في الدوحة خلال الأسبوع الجاري، قبل يوم من زيارة نتنياهو إلى واشنطن، وسط تصريحات إسرائيلية متفائلة بقرب عقد صفقة.
عكست بعد ذلك المفاوضات بين الطرفين، أنه لا يتضمن اختراقات حقيقية تفسر ذلك التفاؤل الإسرائيلي المعلن قبيل زيارة نتنياهو لواشنطن.
كما تبين أيضاً أن الوفد المفاوض الإسرائيلي لا يتمتع بتفويض كافٍ للتوصل لاتفاق، كما كان الحال في مفاوضات سابقة لم تحرز نتائج، ما يؤكد أن القرار النهائي سيخرج من مكان آخر خارج غرف التفاوض.
ووضعت حركة حماس ثلاث ملاحظات على ذلك المقترح الأميركي الإسرائيلي، تتعلق بضمان عدم استئناف إسرائيل الحرب بعد وقف إطلاق النار المقرر لمدة 60 يوماً، وتأمين تدفق الاحتياجات الإنسانية الأساسية عبر آليات تدعمها الأمم المتحدة، وسحب القوات الإسرائيلية إلى المواقع التي تمركزت فيها قبل انهيار وقف إطلاق النار السابق في أوائل شهر آذار الماضي.
ورغم رفض نتنياهو لتحفظات الحركة، إلا أنه على ما يبدو قد حدث تطور يتعلق بالتحفظ المتعلق بالمساعدات، خصوصاً في ظل الانتقاد الدولي لدور «مؤسسة غزة الإنسانية» التي تديرها الولايات المتحدة وإسرائيل في توزيع الاحتياجات الأساسية للغزيين منذ شهر أيار الماضي، بعد منع كامل لدخولها للسكان على مدار شهرين ونصف.
إلا أن المعضلة المتبقية والأهم، ترتبط بإصرار إسرائيل على عدم الالتزام بإنهاء الحرب بعد الهدنة، الذي لم يتغير منذ بداية الحرب، وفي أي مفاوضات تالية.
لذلك عارضت حركة حماس الصيغة الحالية للاقتراح، والتي تربط تمديد الهدنة بعد الستين يوماً الأولى، بشرط تفاوض الأطراف بحسن نية، واقترحت الحركة بدلاً من ذلك ربط المفاوضات بالتوصل لاتفاق.
وعادت إسرائيل للحرب في شهر آذار الماضي، قبل بدء المرحلة الثانية منها، بعد رفضها الدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب.
قد ينسجم إصرار إسرائيل على عدم الاستجابة لشرط وقف الحرب، مع أهدافها المعلنة لتحقيق ذلك، والذي يرتبط بتدمير قدرات حركة حماس ووجودها، وهو ما لم تستطع تحقيقه حتى الآن، رغم أنها تتفاوض معها، في إطار تحقيق هدنة تضمن إخراج المحتجزين في غزة عبر صفقة.
أي أنه من الواضح أن مفاوضات إسرائيل مع حركة حماس تأتي في سبيل إخراج المحتجزين، أما نهاية الحرب، وفق التصريحات الإسرائيلية فيتطلب القضاء على حركة حماس، أي أن الحرب لن تنتهي بخروج المحتجزين من القطاع.
وتنص الصفقة الحالية على إخراج نصف المحتجزين الخمسين الموجودين في القطاع، الأحياء منهم والأموات، على مدار شهرين.
وفي حين عرضت حركة حماس صفقة شاملة تخرج جميع المحتجزين دفعة واحدة، مقابل إنهاء الحرب، يرفض نتنياهو ذلك، ويركز على معادلة الهدنة وإخراج تدريجي للمحتجزين، بما يضمن عودته للقتال، كما جرى في الهدنتين السابقتين، والتي ضمنت خروج معظم المحتجزين في غزة حتى الآن.
قد يكون الأمر الأشد تعقيداً متعلقاً برؤية إسرائيل لمستقبل القطاع، سواء بعد خروج المحتجزين أو حتى بعد تدمير حركة حماس.
قبيل بدء رحلة نتنياهو الحالية إلى واشنطن أعلن يسرائيل كاتس وزير الدفاع
الإسرائيلي عن خطة لإنشاء مخيم للفلسطينيين في غزة، على أنقاض مدينة رفح، التي تقع في أقصى جنوب القطاع، وعلى الحدود مع مصر.
تزامن ذلك مع تسريبات من داخل غرف المفاوضات الحالية في الدوحة بأن الخرائط التي جاء بها المفاوضون الإسرائيليون إلى الدوحة، والتي تبين مناطق انسحاب قوات الاحتلال من غزة خلال فترة الهدنة، تؤكد على نية الاحتلال الاحتفاظ بمحور «موراغ»، وهو ذلك الشريط الذي دشنه الاحتلال لفصل مدينة رفح عن مدينة خان يونس، مع إصراره أيضاً على الاحتفاظ بمحور فيلاديلفيا، الذي يقع أقصى جنوب مدينة رفح، ويشكل الحدود مع مصر.
إن احتفاظ إسرائيل بمحوري «موراغ» وفيلاديلفيا يضمن تنفيذ خطة كاتس خلال تلك الفترة، والمتعلقة ببناء مخيم للفلسطينيين على أنقاض مدينة رفح.
ويتقاطع ذلك مع تصريحات نتنياهو التي جاءت في ذات السياق والتوقيت من واشنطن، والتي أكد فيها أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان مع دول أخرى تقبل استقبال الغزيين لضمان مستقبل أفضل لهم، وهو ما وصفه نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون آخرون بالترحيل الطوعي للفلسطينيين، في ظل استمرار حرب القتل والتدمير والتجويع التي يخضع لها قطاع غزة على مدار ٢١ أسبوعاً.
والسؤال المطروح هنا، طالما أن هدف نتنياهو من المفاوضات والهدنة إخراج المحتجزين الخمسين في غزة، الأحياء منهم والأموات، وطالما أن المطلب النهائي لإسرائيل لوقف الحرب هو القضاء على قدرات حركة حماس الإدارية والعسكرية في غزة، إذاً لماذا لا تتفاوض إسرائيل مع السلطة الفلسطينية، لاستلام القطاع؟ خصوصاً أن حركة حماس أعلنت عن عدم تمسكها بالبقاء في السلطة بعد انتهاء الحرب، كما أكدت السلطة الفلسطينية استعدادها لإدارة شؤون القطاع.
الإجابة تتعلق بمخططات إسرائيل الحقيقية لغزة، والتي تم توضيحها أعلاه، وبإجابة نتنياهو حول مستقبل الدولة الفلسطينية. فخلال زيارته الأخيرة لواشنطن، أكد نتنياهو معارضته لقيام دولة فلسطينية، مؤكداً أنه يسمح بأن يكون لدى الفلسطينيين القدرة على إدارة شؤونهم بأنفسهم، مشدداً على أن الأمن سيبقى تحت سيطرة إسرائيل، وأن السلام مع الفلسطينيين يعني فقط القبول بسيادة إسرائيل على الأرض.
وفي ظل تطلع ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام، فان وقف الحرب في غزة متطلب رئيس، وذلك يحتاج إلى ضغط من الرئيس الأميركي على نتنياهو، فهل يستطيع ترامب تحقيق ذلك؟ في ظل تعقيدات تتعلق بقضايا حساسة للإسرائيليين وتشكل أولوية في صراعهم مع الفلسطينيين، وتنال دعماً واسعاً في الدولة الأميركية العميقة.
ورغم ذلك تبقى هناك عوامل أخرى من شأنها قلب المعادلات التي يضعها نتنياهو وحكومته لحسم مستقبل الصراع مع الفلسطينيين.
يعد توجه الرأي العام الإسرائيلي باتجاه وقف الحرب، عاملاً مهماً لتحقيق ذلك، وإفشال مخططات حكومة نتنياهو في غزة.
فمنذ خرق إسرائيل للهدنة السابقة في شهر آذار الماضي، قتل ٤٠ جندياً إسرائيلياً في غزة، بالإضافة لعشرات الجرحى، نصفهم سقط الشهر الماضي، في حين لم يخرج إلا محتجز حي واحد طوال تلك المدة، وهو أيدان ألكسندر، الأميركي الإسرائيلي، الذي وعد ترامب بإخراجه، وخرج وفق اتفاق بين حركة حماس وترامب.
وبذلك اتحدت أصوات الإسرائيليين لوقف الحرب بعد أن انضمت أصوات أهالي القتلى في الجيش الإسرائيلي إلى أصوات أهالي المحتجزين، وكذلك كل من يقلق من خسارة أبنائه في حرب استنزاف لا تبدو نهايتها قريبة.
كما يعد فشل إسرائيل في خلق قيادة بديلة للشعب الفلسطيني، تعمل وفق مخططاتها، عاملاً مركزياً في إفشال مخططات نتنياهو في غزة والضفة.
في غزة فشلت عصابة ياسر أبو شباب، التي أنشأها الاحتلال لمواجهة حركة حماس، ويستمر بقاؤها اليوم فقط في مدينة رفح تحت حماية جيش الاحتلال.
وفي الضفة، ماتت محاولة خلق إمارة الخليل المنفصلة عن النسق الفلسطيني في الضفة، في مهدها.
ولم يتعلم الاحتلال من تجاربه السابقة وعلى مدار عقود أن القيادة المفروضة دون دعم شعبي تنهار بعد رفع غطاء الاحتلال عنها، فذلك الخيار غير ممكن مع الشعب الفلسطيني.
بالإضافة إلى ذلك، تستطيع إسرائيل مواصلة قمع الفلسطينيين، وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، وربما حتى في شمال قطاع غزة، إلا أن ذلك لن يولد إلا مزيداً من الكراهية والرغبة في الانتقام، ولن تنعم إسرائيل بالأمن يوماً، وسيبقى الفلسطينيون يبتكرون أساليبهم الخاصة في المقاومة والدفاع عن النفس، للتصدي لمحتلهم، وهو ما لم يتوقف يوماً واحداً طوال سنوات هذا الصراع.
ويبقى حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم على أرض الواقع حاضراً، رغم كل ادعاءات إسرائيل، فمعظم دول العالم، وقرارات الشرعية الدولية، وقرارات وتوصيات المحاكم الدولية تحسم الحق الفلسطيني، وليست هناك قوة تستطيع إنكاره.
وأظهرت حروب إسرائيل مع محيطها العربي، خلال العامين الماضيين، أن أكبر المتضررين من استمرار الصراع والحروب في المنطقة هو المجتمع الإسرائيلي، الذي لا يقوى على تحمل الحروب التي تصل إليه، فعشرات الآلاف من الإسرائيليين تركوا إسرائيل ليستثمروا ويؤسسوا لحياة أكثر استقراراً خلال الفترة السابقة.
فإرجاع الحقوق لأصحابها وحده يمكن أن يجلب السلام لإسرائيل، وهو ما حدث مع مصر من قبل بعد إعادة شبه جزيرة سيناء، وهو السبيل الوحيد مع الفلسطينيين، لتحقيق السلام في المنطقة.
وفي الختام، رغم عدم ظهور مؤشرات على قرب حدوث هدنة حتى الآن، إلا أن نتنياهو قد يقبل بها، فهو لا يريد الظهور بمظهر المعطل لها أمام ترامب، الذي يظهر رغبة في تحقيقها.
إلا أن نتنياهو، وفي حال حدوثها، سيركز على تكرار السيناربو السابق للهدنة الذي يحقق إطلاق سراح محتجزين، ومواصلة الحرب، بما يضمن له تحقيق أهدافه في غزة.
ويبقى نتنياهو خلال المدى القريب قادراً على الاحتفاظ بحكومته، رغم أزماتها، مع طرفيها المتدين، بسبب مشروع قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، والمتشدد، الذي يعارض الهدنة في غزة، في ظل توجهاته بإبقاء حالة من الغليان والصدام مع المحيط الإقليمي، التي تكسبه المزيد من الوقت في الحكم، إلا أن ذلك لن يدوم على المدى البعيد، وستتغير الحكومة اليمينية المتطرفة في النهاية.