وفي السياسة – ذكاء الاغبياء

د. ناصر اللحام
وفي السياسة – ذكاء الاغبياء
كان للمرحوم السفير أبو هشام سباتين عبارة شهيرة مفادها ( ذكاء الاغبياء ) في عالم السياسة ، وان ذكاء الاغبياء من أخطر الامراض التي تصيب القادة والمسؤولين في فترة بناء الدولة . ومن باب المشاكسة سألته : وماذا عن غباء الاذكياء؟ فقال ان غباء الاذكياء اخطر بكثير من الأولى لان الاذكياء اذا أخطأوا التقدير يقعون في العمى الاستراتيجي الكبير كما تفعل إسرائيل الان .
لا يوجد سياسي يستطيع العيش بمعزل عن عوامل التأثير عليه ، ومهما كانت المؤثرات ضعيفة فإنها تكون قادرة على النفاذ الى مستوى خطير من صناعة القرار لا سيما القرارات التي تحدد سلوك المجتمع والافراد . ولهذا نرى ان قرارات حكومة نتانياهو الان صارت تتماهى مع أفكار العنصريين المتطرفين ، وقرارات الرئيس ترامب تتماشى مع مصالح الأثرياء في أمريكا وتدوس على الطبقة الفقيرة ولا تهتم سوى بزيادة أرباح المليارديرات . وقرارات كل زعيم تحاكي مصالح المحيطين به سواء رغب في ذلك ام لا يرغب . والاهم من الزعماء والقادة قرارات الحكومات .
ان قرارات الزعماء قد تنحسر مع ترك الزعيم لمنصبه ، ولكن قرارات الحكومات تبقى ثابتة نسبيا لأطول فترة ممكنة .ولذلك كانت البرلمانات ضرورة لازمة لكل حكومة فهي تشكل المصفاة ( فلتر ) التي تشرف على تنظيم مرور التشريعات والقوانين قبل تعميمها لتصبح قوانين ملزمة . والبرلمانات لا تمنع الأخطاء ولكنها تضمن قبولا شعبيا ومؤسساتيا حسب أصول اللعبة .
في ظل غياب برلمان فلسطيني صاخب يتداول مشاكل المجتمع وقضايا الفلسطينيين التي أصبحت ملفات دولية تعجز عنها الأمم المتحدة ، تبقى لدينا مجلس وطني وهو بمثابة برلمان منظمة التحرير وفي مئات الأعضاء الذين يمثلون جميع الأقاليم والقوى والأجهزة والنقابات . وانا أتفهم صعوبة انعقاده ولكن هذا يزيد من الدعوة لعمل لجان منبثقة عنه تتولى مهمة المتابعة والاشراف والتوصية والاقتراح وتقديم المشورة للحكومات بشكل منتظم وليس بشكل موسمي او استعراضي .
ان خطوة إقامة لجان عمل تعمل مثل خلايا النحل لدراسة الواقع واقتراح الحلول له تكون الخطوة الأولى على الطريق الصحيح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .
العوامل الذاتية لم تعد لوحدها تكفي مهما ارتفعت معنوياتنا ومهما كانت النوايا طيبة ، وكأن المجتمع الفلسطيني تعرض لحادث سير مميت . تعرض لزلزال كبير ووجب علينا الان فور توقف الحرب ان ننظر الى المرآة لمشاهدة ماذا حدث لنا وكيف أصبحنا ومن فقدنا ومن أصيب .
الخطر على الحكومات والقيادات ليس من الأذكياء ولا من الاغبياء في عالم السياسة . بل على الاغبياء الذين اعتقدوا انهم اذكياء ، وعلى الاذكياء المحبطين الذين باتوا يعتقدون انهم أغبياء .
ممنوع منعا باتا ان نراهن على ذكاء الاغبياء ، او ان نراهن على غباء الاذكياء . وأمامنا مشوار طويل هو مشوار المليون ميل الذي يبدا بخطوة واحدة صحيحة تكون في الاتجاه الصحيح .