خطة ترامب–نتنياهو لوقف الحرب: خدعة تاريخية وتصفية شاملة للحقوق الوطنية الفلسطينية

علي أبو حبلة
خطة ترامب–نتنياهو لوقف الحرب: خدعة تاريخية وتصفية شاملة للحقوق الوطنية الفلسطينية
الكوفية في ذروة الحرب الإسرائيلية على غزة، وبعد أن كشفت تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية حجم المأساة الإنسانية والدمار الهائل، برزت إلى السطح خطة جديدة يطرحها كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تحت مسمى "خطة وقف الحرب".
الخطة، التي يسعى القائمون عليها لتسويقها باعتبارها مخرجاً من الأزمة، ليست سوى خديعة تاريخية هدفها تكريس الهيمنة الإسرائيلية وإنهاء الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، في محاولة لإعادة إنتاج مشروع "صفقة القرن" بغطاء مختلف، يلتف على الواقع الإنساني والقانوني ويُحمّل الضحية ثمن الجريمة.
إسقاط القضايا وتبرئة إسرائيل من الجرائم
أحد أخطر بنود الخطة يكمن في سعيها إلى إسقاط كافة القضايا المرفوعة ضد قادة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، والتجاوز الكامل لقرارات محكمة العدل الدولية التي اعتبرت الاستيطان والضم والجدار العازل غير شرعيين. هذا يعني عملياً تجريد الفلسطينيين من حقهم في التقاضي الدولي وإعفاء قادة الاحتلال من المسؤولية عن الجرائم الموثقة بحق المدنيين، والتي أكدتها تقارير أممية صادرة عن مجلس حقوق الإنسان، و"هيومن رايتس ووتش"، و"اليونيسف"، و"الأورومتوسطي"، إلى جانب مئات الشهادات الميدانية.
إن تمرير مثل هذا البند لا يعني فقط حماية المجرمين، بل يفتح الباب أمام سياسة الإفلات من العقاب، ما يشجّع على تكرار الجرائم في المستقبل، ويقوّض جوهر القانون الدولي الإنساني.
القدس والاستيطان: شرعنة الاحتلال وإسقاط الشرعية الدولية
الخطة تنص على الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وشرعنة الاستيطان في الضفة الغربية، في ضرب صريح لكافة قرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن (242، 338، 478، 2334). وبذلك تتحول الأراضي الفلسطينية إلى كانتونات معزولة بلا تواصل جغرافي ولا سيادة، ما يعني عملياً دفن حل الدولتين وتكريس واقع الاحتلال كأمر واقع نهائي.
وصاية دولية على غزة وهيمنة إسرائيلية على الضفة
أخطر ما في الخطة أنها تقترح فرض "وصاية دولية" على غزة تحت غطاء إنساني واقتصادي، فيما تبقى السيطرة الأمنية والسياسية الفعلية بيد إسرائيل. أما الضفة الغربية، فتبقى رهينة للهيمنة الإسرائيلية المباشرة عبر التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي والسيطرة على الموارد والمعابر.
بهذا يتحول الفلسطينيون إلى شعب تحت وصاية محروم من أبسط مقومات السيادة وحق تقرير المصير، وهو ما يشكل انتهاكاً مباشراً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
مشروع "الشرق الأوسط الجديد" بنكهة إسرائيلية
إن ما تسعى خطة ترامب–نتنياهو إلى تحقيقه لا ينفصل عن الرؤية الإسرائيلية القديمة–الجديدة لـ"الشرق الأوسط الجديد"، التي تقوم على فرض إسرائيل كقوة إقليمية مهيمنة، تتحكم بمسارات السياسة والاقتصاد والأمن في المنطقة. فالخطة لا تعالج جذور الصراع ولا تنهي الاحتلال، بل تعيد إنتاجه بوسائل جديدة: احتلال مقنّع، بغطاء دولي، وتطبيع إجباري.
بين الخطاب الإنساني والحقيقة السياسية
تحاول الخطة أن تتدثر بخطاب إنساني–إغاثي، عبر الحديث عن إعادة إعمار غزة وتحسين الظروف المعيشية. غير أن هذا البعد لا يعدو كونه غطاءً سياسياً لتثبيت معادلة جديدة: بقاء الفلسطينيين تحت الحصار والوصاية، مقابل حصول إسرائيل على شرعية أوسع لاحتلالها وسياساتها التوسعية. إنها إعادة إنتاج لشعار "السلام الاقتصادي" الذي لطالما رفعته الحكومات الإسرائيلية للهروب من الاستحقاق السياسي والحقوقي.
الرؤية الوطنية المطلوبة لإفشال المؤامرة
في مواجهة هذه الخطة، المطلوب فلسطينياً توحيد الصف الوطني على قاعدة رفض أي مساس بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه غير القابل للتصرف في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحق اللاجئين في العودة وفق القرار 194.
كما أن المطلوب تحرك عربي وإسلامي جاد، يرفض تجاوز قرارات الشرعية الدولية، ويرفض تحويل غزة إلى "منطقة تجريبية" تحت وصاية دولية. ويُضاف إلى ذلك دور المجتمع الدولي والقوى الحرة في العالم التي وقفت ضد العدوان، والتي يقع على عاتقها التصدي لمحاولة إضفاء الشرعية على الاحتلال بوسائل قانونية مزيفة.
الخاتمة
إن خطة ترامب–نتنياهو لا تمثل وقفاً للحرب، بل تمثل استمراراً للحرب بأدوات أخرى: سياسية وقانونية واقتصادية. هي محاولة لفرض الهزيمة على الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته تحت شعار "وقف القتال". لكنها في الحقيقة، كما تكشف القراءة الاستراتيجية، ليست سوى فصل جديد من مشروع تصفية القضية الفلسطينية، وإعادة صياغة الشرق الأوسط وفق الرؤية الإسرائيلية.
ويبقى الرهان على وعي الشعب الفلسطيني وصموده، وعلى الإرادة الوطنية التي أثبتت عبر التاريخ أنها قادرة على إفشال كل المخططات، مهما كانت مغلفة بالشعارات الخادعة.