فرنسا والاعتراف بدولة فلسطين ومؤتمر نيويورك

د. دلال صائب عريقات
فرنسا والاعتراف بدولة فلسطين ومؤتمر نيويورك
الكوفية في قصر فرساي، وخلال مؤتمر باريس للسلام عام 1919، وُلدت شعارات العصر الحديث حول تقرير المصير وحقوق الشعوب، مستلهمة من المبادئ الأربعة عشر للرئيس الأمريكي وودرو ويلسون. وقد شكّلت تلك المبادئ حجر الأساس لنظام عالمي جديد، بُني على أنقاض الإمبراطوريات، وأرسى حق الشعوب في تقرير مصيرها كركيزة أولى لتحقيق السلام والاستقرار.
لم تكن أوروبا بعيدة عن هذه اللحظة المفصلية في التاريخ الحديث، بل كانت في صلب صناعتها. وفرنسا، بما تمثله من إرث جمهوري وتاريخ نضالي ضد الاستعمار ومن أجل الحرية، كانت ولا تزال رمزاً لتلك المبادئ. فقد ساندت قضايا التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا، ورفعت لواء حقوق الإنسان في المحافل الدولية. واليوم، يقف هذا الإرث أمام امتحان جديد: فلسطين.
الاعتراف بدولة فلسطين ليس منّة، بل هو استحقاق قانوني وأخلاقي. فبعد أكثر من سبعين عاماً على النكبة، وعقود من الاحتلال والاستيطان والتمييز، لا يزال الشعب الفلسطيني محروماً من أبسط حقوقه الوطنية. ومن غير المنطقي، بل من الظلم، أن يُربط الاعتراف بدولة فلسطين بنتائج المفاوضات، بينما يُعترف بدول أخرى في ظروف مختلفة تماماً.
لقد آن الأوان لفرنسا أن تُجسّد مبادئها بالفعل، لا فقط بالتصريحات والمواقف الرمزية. الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس عائقاً أمام السلام، بل هو خطوة أولى نحو سلام عادل وشامل. إنه تأكيد على أن القانون الدولي لا يُطبق بانتقائية، وأن حق تقرير المصير لا يُجزأ.
على فرنسا، التي أنارت شعلة الحرية في القرن الثامن عشر، وساهمت في صياغة ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن تستعيد هذا الدور الريادي من بوابة فلسطين. فكما دعمت حركات التحرر في الجزائر وتونس والسنغال وغيرها، فإن من واجبها الأخلاقي والتاريخي والقانوني أن تقف اليوم إلى جانب الشعب الفلسطيني في سعيه نحو السيادة والاستقلال.
في اللحظات الفارقة، يُقاس وزن الدول بمدى التزامها بمبادئها. وفرنسا أمام فرصة تاريخية لتأكيد التزامها بمبدأ تقرير المصير، ليس بالكلام فقط، بل بالفعل السياسي: الاعتراف بدولة فلسطين
وفيما تحتفي فرنسا في الرابع عشر من تموز/ يوليو بعيدها الوطني، وتُحيي ذكرى الثورة الفرنسية التي ألهمت شعوب العالم في نضالها من أجل الحرية والعدالة والكرامة، فإن من واجبها أن تتذكّر، وهي تحتفل باستقلالها، حق الشعوب الأخرى في الاستقلال وتقرير المصير. إن القيم التي رفعتها الثورة الفرنسية -الحرية، والمساواة، والإخاء- لا تكتمل إلا حين تُطبّق بشكل عادل وشامل، دون استثناءات أو ازدواجية. فكما لم تقبل فرنسا أن تبقى تحت نير الاستبداد أو الهيمنة، لا يجوز لها أن تقف على الحياد تجاه شعب يعيش تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود، يُحرم من أبسط حقوقه الوطنية والإنسانية.
لقد عاد الحديث عن المؤتمر الدولي لتنفيذ حل الدولتين بقيادة كل من السعودية وفرنسا ليعقد في نيويورك ما بين ٢٧-٢٨ تموز الحالي بعد أن تم تأجيله إثر العدوان الإسرائيلي على إيران. للعمل بشكل حقيقي لحل الدولتين أو أي حل مستدام يجب أن تدرك فرنسا والدول الشريكة أن الاعتراف بديهي واستحقاق ليس مكاناً للتفاوض، أما الاتفاق يجب أن يبدأ بفرض حقائق جديدة على الأرض أولها إنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي وتحديد حدود دولة إسرائيل.
على فرنسا، أن تستعيد دورها الريادي من بوابة فلسطين. فكما دعمت حركات التحرر في الجزائر وتونس والسنغال وغيرها، فإن من واجبها الأخلاقي والتاريخي والقانوني أن تقف اليوم إلى جانب الشعب الفلسطيني في سعيه نحو السيادة والاستقلال.