"إسرائيل الكبرى"... بين أوهام التوسع وحتمية التاريخ والجغرافيا
اسرائيل الكبرى مشروع يتجاوز حدود القوة

"إسرائيل الكبرى"... بين أوهام التوسع وحتمية التاريخ والجغرافيا
الكوفية تتصاعد في الآونة الأخيرة تصريحات قيادات إسرائيلية من الصف الأول، يتصدرهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، عن "حق تاريخي" لإسرائيل في كامل ما يسمونه "أرض إسرائيل الكبرى"، وهو مفهوم يتجاوز حدود 1967 ليشمل الضفة الغربية وغزة وأجزاء من الأردن وربما مساحات أوسع.
هذا الخطاب، الذي يمزج بين الميثولوجيا الدينية والنزعة القومية، يتجاهل تماماً حقائق الجغرافيا والديموغرافيا، كما يتعارض بوضوح مع قرارات الأمم المتحدة التي أرست مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة[^1].
الديموغرافيا: الأرقام تفضح الوهم
تقدّر الإحصاءات الحديثة عدد اليهود في العالم بنحو 15.7 مليون نسمة فقط، يعيش منهم في إسرائيل حوالي 7.3 مليون، أي أقل من نصف المجموع.
في المقابل، يبلغ عدد العرب أكثر من 460 مليون نسمة، وعدد المسلمين يتجاوز 2 مليار إنسان.
ضمن هذه المعادلة، فإن مشروع "إسرائيل الكبرى" يعني انخراط دولة صغيرة سكانياً في مواجهة محيط عربي-إسلامي شاسع، مع ما يحمله ذلك من استنزاف أمني واقتصادي وسياسي دائم.
الجغرافيا: حدود طبيعية لا تلغيها القوة
إسرائيل، حتى بحدود ما قبل 1967، لا تتجاوز مساحتها 22 ألف كيلومتر مربع، وهي أقل من مساحة كثير من المحافظات العربية. التوسع وضم أراضٍ إضافية يعني إضافة ملايين الفلسطينيين والعرب إلى الكيان، الأمر الذي حذّر منه قادة إسرائيليون علمانيون، على رأسهم إسحاق رابين، الذي أدرك أن السيطرة على هذه الأراضي ستقلب التوازن الديموغرافي ضد المشروع الصهيوني نفسه.
دروس التاريخ: إمبراطوريات توسعت حتى انهارت
ابن خلدون، في مقدمته، وضع قانوناً اجتماعياً-سياسياً ينطبق على الدول كما ينطبق على الأفراد: النشأة، القوة، الازدهار، ثم الضعف والانهيار. وقد سقطت إمبراطوريات كبرى لأنها تجاهلت حدود قوتها:
الإمبراطورية الرومانية توسعت حتى عجزت عن إدارة أطرافها، فتمزقت تحت ضغط الغزوات والصراعات الداخلية.
الإمبراطورية المغولية بلغت قلب أوروبا والصين، لكنها انهارت بفعل التفكك والصراعات الداخلية بعد أن استنزفت قدراتها.
الإمبراطورية العثمانية، التي امتدت قروناً، دخلت مرحلة الانحدار حين أثقلت نفسها بإدارة مساحات شاسعة متعددة الأعراق والثقافات دون قدرة على الإصلاح السياسي.
إسرائيل اليوم، وهي تتمادى في مشاريعها التوسعية، تكرر أنماط السلوك نفسها: الإفراط في القوة، تجاهل الواقع، وخلق أعداء أكثر من الأصدقاء.
البعد القانوني: مخالفة صريحة للشرعية الدولية
تصريحات نتنياهو وبن غفير وسموتريتش عن "إسرائيل الكبرى" تشكل انتهاكاً صريحاً لعدد من قرارات الأمم المتحدة، أبرزها:
القرار 242 (1967): الذي يؤكد عدم جواز الاستيلاء على أراضٍ بالحرب، ويدعو للانسحاب من الأراضي المحتلة[^2].
القرار 338 (1973): الذي يدعو لتطبيق القرار 242 فوراً[^3].
القرار 2334 (2016): الذي يعتبر الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة منذ 1967 غير قانوني ويدعو لوقفه فوراً[^4].
هذه التصريحات لا تعكس فقط تحدياً للقانون الدولي، بل تنذر بعزلة سياسية لإسرائيل، إذ تضعها في مواجهة مباشرة مع الإجماع الأممي.
خطر على الداخل العلماني الإسرائيلي
المتطرفون الدينيون والقوميون لا يدركون أن مشروعهم لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل يهدد أسس الدولة الإسرائيلية نفسها. فالتوسع المستمر يقوّض البنية الديمقراطية ويفرض أجندة دينية على مجتمع متنوع، ما قد يجرّ إسرائيل نحو نموذج "الدولة الثيوقراطية" المعزولة، ويعيد إنتاج أزمات تاريخية مشابهة لتجربة الحروب الصليبية التي انتهت بالانكسار بعد عقود من التوسع القسري.
خاتمة: بين أوهام القوة وحقائق البقاء
التاريخ يقول إن الدول التي تتمادى في التوسع على حساب الآخرين، دون اعتراف بحدود قوتها أو بحقوق جيرانها، تسجّل بيدها بداية نهايتها.
إذا كان المتشددون في إسرائيل يؤمنون أن مشروع "إسرائيل الكبرى" سيحفظ الدولة إلى الأبد، فإن التاريخ – مدعوماً بالجغرافيا والديموغرافيا والقانون الدولي – يثبت العكس تماماً.
إن بقاء إسرائيل مرهون بسلام عادل، لا بإمبراطورية قائمة على القوة وحدها، فكما قال ابن خلدون: "الظلم مؤذن بخراب العمران."
[^1]: ميثاق الأمم المتحدة، المادة 2، الفقرة 4، التي تحظر استخدام القوة ضد سلامة أراضي أو استقلال أي دولة.
[^2]: قرار مجلس الأمن 242، الصادر في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1967.
[^3]: قرار مجلس الأمن 338، الصادر في 22 تشرين الأول/أكتوبر 1973.
[^4]: قرار مجلس الأمن 2334، الصادر في 23 كانون الأول/ديسمبر 2016.