تصريحات مدبولي..واقعية مصرية لمواجهة تهجير أهل غزة

حسن عصفور
تصريحات مدبولي..واقعية مصرية لمواجهة تهجير أهل غزة
في تصريحات تستحق التفكير، بعيدا عن "غوغائية" الشعارات أو بيانات عربية لا تمثل قيمة أو تترك أثرا، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يوم الثلاثاء 16 سبتمبر 2025، وردا على "السؤال الأهم راهنا، ماذا لو اندفع الفلسطينيون نحو الحدود المصرية؟"، بإن "هناك استعدادات تشمل مختلف أجهزة الدولة والوزارات لمواجهة أي سيناريوهات محتملة للأوضاع، مؤكدا أن مصر لن تسمح تحت أي ظرف بتهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية الفلسطينية".
بلا تردد، تعتبر هذه التصريحات الرسمية المصرية، هي الأكثر قيمة سياسية واستراتيجية مما تم الحديث عنه، عربيا أو فلسطينيا، منذ بدء حرب الإبادة الجماعية بعد مؤامرة 7 أكتوبر 2023، التي استخدمت فيها حماس رأس حربة، بغباء أو بتواطئ بعض منها، خدمة لأطراف رعايتها الإقليمية.
تصريحات رئيس وزراء مصر، تعيد الاعتبار للتفكير خارج "الشعاراتية الفارغة"، برفض التهجير دون وضوح، أو تجهيز ما يكون حقا بديلا عمليا لنتائج التدمير العام، والاقتلاع الشامل، وتدفع نحو التفكير الواقعي لكيفية مواجهة ما يمكن أن يكون، من تطورات تدفع أهل قطاع غزة الذهاب نحو معبر رفح بمئات آلاف.
لا يمكن لسياسي، أن يلغي احتمالية أن يقتحم آلاف من أهل قطاع غزة معبر رفح، مع تطور حرب الإبادة والاقتلاع، خاصة في مرحلتها الأخيرة، وبعدما أدركوا، أن لا نصير عربي لهم، في ظل مهزلة قمة الدوحة، وما كشفته بأن الحدث لم يكن لفلسطين، بل كان جائزة ترضية لدولة قدمت الخدمة التاريخية الأهم للمشروع التهويدي، برعايتها حماس وفقا لاتفاق مع أمريكا ودولة الكيان، ووصلت لنهاية رعايتها، كما حدث يوما مع رعاية الأردن لقيادة حماس منذ عام 1988 وحتى 1996، بانتهاء الاستخدام، فكانت عملية " اغتيال مشعل" الشهيرة"، تماثل في الجوهر قصف مقر حماس في الدوحة، مع اختلاف شكل التنفيذ.
مصر، تدرك دون غيرها، بل ربما وحدها، أن مشروع التطهير العرقي والتهجير في قطاع غزة، هو جوهر الخطة الأمريكية – اليهودية ما قبل غزوة أكتوبر 2023، جزء من رؤية أمريكية لتغيير معالم المشهد الإقليمي، بما يمس دورها المركزي، ونقل مركز القوة الأساس نحو بلدان الخليج بتعاون أمريكي – إسرائيلي بعيدا عن "المجاملات السياسية"، ولم يكن مصادفة أن يخص ترامب اسم مصر وكذا الأردن، في إعلان خطة كوشنير لغزة الكبرى، موقف جزء من رؤية تمس عموم المنطقة، بما يشمل تعديل التوازن الإقليمي ونقل مركزه.
تصريحات مصطفى مدبولي، حول استعداد مصر لكل الاحتمالات جراء تصاعد حرب الإبادة في قطاع غزة، يتطلب فورا، وضع رؤية مصرية فلسطينية مشتركة لما يمكن أن يكون، كي يتم تحويل سلاح التخريب الأمريكي اليهودي إلى سلاح حماية للمستقبل الفلسطيني في قطاع غزة.
رؤية مصرية – فلسطينية، تحتمل مشاركة أردنية، تنطلق من المشروع العام، حول إعادة إعمار قطاع غزة، والذي بات عربيا إسلاميا وليس مصريا، تحت عنوان "الاستيعاب الانتقالي"، بما يسمح باستقبال أعداد من أهل قطاع غزة في سيناء، ضمن "شروط خاصة" متفق عليها من حيث العمل والإقامة والحركة، وزمنها، توازيا مع حركة الإعمار.
قد يرى البعض أن ذلك يحمل صعوبات متعددة، وأولها قدرة مصر الاقتصادية، وتلك مسألة يمكن أن يتم علاجها كجزء من خطة إعادة الإعمار، وأيضا دون أن تعتبر شكلا من أشكال التهجير، بل هي عملية انتقالية، تحافظ على الهوية الفلسطينية، كي لا يراها البعض إعادة إنتاج لمشروع جونستون التوطيني عام 1955، الذي وجد مقاومة شعبية واسعة من أهل قطاع غزة، ولا زالوا يذكرون شاعر فلسطين الكبير معين بسيسو محمولا على الأكتاف هاتفا، لا توطين ولا إسكان.
اتفاق مصري فلسطيني أولا، وعربي ثانيا، حول جوهر رؤية "الاستيعاب الانتقالي" لأهل قطاع غزة في سيناء، ضرورة لا بد منها لو حقا يراد منع التهجير والاقتلاع.