الإصلاح في السلطة الفلسطينية: من استحقاقات الداخل إلى متطلبات الدولة

الإصلاح في السلطة الفلسطينية: من استحقاقات الداخل إلى متطلبات الدولة
الكوفية البيان الصادر بعد اجتماع عدد من القادة العرب مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب تضمّن دعوة صريحة لـ«الإصلاح في السلطة الفلسطينية». هذا الطرح وإن بدا للوهلة الأولى مطلباً فنياً وإدارياً، إلا أنّه في جوهره قضية سياسية سيادية ترتبط مباشرة بمستقبل الشعب الفلسطيني وبحقه في تقرير المصير. إن الإصلاح ليس استجابة لإملاءات خارجية، بل هو استحقاق وطني ودستوري نصّ عليه القانون الأساسي الفلسطيني المعدّل لعام 2003، وهو ضرورة لإعادة بناء الشرعية الفلسطينية على أسس ديمقراطية ووطنية.
أولاً: الإصلاح بين النص الدستوري والضغوط الخارجية
القانون الأساسي الفلسطيني ينص في مادته (5) على أن «نظام الحكم في فلسطين نظام ديمقراطي نيابي يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية، وينتخب رئيس السلطة التنفيذية انتخاباً مباشراً من الشعب، وتكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي»[^1].
المادة (2) تنص على أن «الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية»[^2].
أي إصلاح خارج هذا الإطار يفقد شرعيته ويتحوّل إلى وصاية خارجية، بينما الإصلاح الحقيقي يعني العودة إلى الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة، واحترام مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء.
ثانياً: الإصلاح لا ينفصل عن إنهاء الاحتلال
لا يمكن بناء مؤسسات فاعلة دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي يُقيد حركة الأفراد ويمنع إجراء انتخابات في القدس، ويُضعف سيادة السلطة على مواردها. تقارير الأمم المتحدة، بما فيها تقرير الأمين العام لمجلس الأمن بشأن تطبيق القرار 2334 (2016)[^3]، أكدت أن استمرار الاستيطان والقيود الإسرائيلية يقوض إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وبالتالي فإن أي خطة إصلاحية يجب أن ترتبط بجدول زمني واضح لإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وفق القرار 1514 (1960)[^4].
ثالثاً: خطة عمل استراتيجية للإصلاح والانتقال إلى الدولة
انطلاقاً من الواقع الفلسطيني، يمكن رسم معالم خطة استراتيجية متكاملة على ثلاث مراحل:
1. مرحلة التهيئة الداخلية
تشكيل حكومة وحدة وطنية من التكنوقراط والتوافق بين كافة القوى الفلسطينية على قاعدة الشراكة السياسية.
إطلاق حوار وطني شامل برعاية منظمة التحرير الفلسطينية لتحديد الأولويات الوطنية وآليات تنفيذ الإصلاح.
تعزيز الرقابة والمساءلة من خلال تفعيل دور مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية أو تشكيل هيئة تشريعية انتقالية لحين إجراء الانتخابات.
2. مرحلة الإصلاح المؤسسي
إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية شاملة، بما في ذلك القدس، تحت إشراف دولي وأممي لضمان النزاهة.
تجديد المجلس الوطني الفلسطيني ليشمل كل التجمعات الفلسطينية في الداخل والشتات.
إصلاح المنظومة الأمنية عبر دمج القوى تحت مظلة السلطة الشرعية.
إصلاح المنظومة المالية والإدارية وفق معايير الشفافية والنزاهة كما أوصت تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة ومؤسسات فلسطينيه مستقله ومنظمات أهلية فلسطينيه [^5].
3. مرحلة الانتقال من السلطة إلى الدولة
تطبيق قرارات المؤتمر الدولي الخاص بتنفيذ حل الدولتين تحت رعاية الأمم المتحدة، بما يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني بموجب ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، لوقف انتهاكات الاحتلال.
وقف كل أشكال العقوبات الإسرائيلية المفروضة على السلطة والشعب الفلسطيني، بما في ذلك القرصنة المالية.
وقف الحرب على غزة ورفع الحصار فوراً، والشروع بعملية إعادة إعمار شاملة بإشراف دولي.
توحيد الجغرافيا الفلسطينية (الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة) تحت سلطة شرعية واحدة.
رابعاً: الرؤية الوطنية المستقبلية
إن الإصلاح المطلوب يجب أن يكون:
وطنياً خالصاً نابعاً من احتياجات الشعب الفلسطيني، لا من شروط وضغوط خارجية.
ديمقراطياً تعددياً يضمن المشاركة السياسية العادلة لكل القوى.
مرحلياً – استراتيجياً يربط بين إصلاح المؤسسات وبناء الدولة وإنهاء الاحتلال.
قائماً على الشراكة داخل الإطار الجامع لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
خاتمة
الإصلاح في السلطة الفلسطينية ليس ترفاً سياسياً ولا مطلباً خارجياً يمكن قبوله أو رفضه على ضوء الضغوط الدولية، بل هو ضرورة وطنية واستحقاق دستوري، وهو الطريق الوحيد لاستعادة الشرعية وبناء دولة فلسطينية حديثة. إن تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإطلاق حوار شامل، والالتزام بإجراء انتخابات شاملة، هي مفاتيح المرحلة القادمة. والإصلاح الحقيقي لا يكتمل إلا بإنهاء الاحتلال، وتطبيق قرارات حل الدولتين، وتأمين الحماية الدولية، ووقف الحرب على غزة ورفع الحصار، وصولاً إلى دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة وعاصمتها القدس.
الهوامش والمراجع
[^1]: القانون الأساسي الفلسطيني المعدّل لسنة 2003، المادة (5).
[^2]: القانون الأساسي الفلسطيني المعدّل لسنة 2003، المادة (2).
[^3]: تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تطبيق القرار 2334 (2016)، مجلس الأمن، وثيقة S/2019/938.
[^4]: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 (د-15) لسنة 1960 بشأن منح الاستقلال للشعوب المستعمرة.
[^5]: تقارير البنك الدولي والأونكتاد حول الاقتصاد الفلسطيني 2020–2023.
[^6]: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67/19 (2012) حول مكانة فلسطين في الأمم المتحدة.