ملاحظات على خطة ترامب الأخيرة

سنية الحسيني
ملاحظات على خطة ترامب الأخيرة
يعكس عدد من المؤشرات المصاحبة لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي عرضها قبل أيام لوقف الحرب في غزة رغبته وبدء تحركه لوقف الحرب. ورغم أن الخطة بحد ذاتها لا تزال تحمل لغة الانحياز الأميركي المعروف لإسرائيل، إلا أن القبول الأولي للدول العربية والغربية للخطة، مع وضع عدد من التحفظات والتساؤلات، يشير أيضاً إلى وجود نية ورغبة عربية وغربية للتعاون مع ترامب للوصول إلى وقف الحرب. لقد بات يشكل استمرار الحرب في غزة بكل ما يحمل ذلك من مآسٍ بشرية وإنسانية وأخلاقية وصمة عار تمس الولايات المتحدة بذات القدر الذي يمس إسرائيل، بعد أن بقيت وحدها داعمة لإسرائيل في هذه الحرب. وشكل موقف غالبية دول العالم، التي غادرت قاعة الجمعية العامة، قبيل صعود نتنياهو على المنصة لإلقاء كلمته مدى الاستياء والرفض العالمي لحرب إسرائيل على غزة. ومن المعروف أن الولايات المتحدة تعد الجهة الوحيدة في العالم القادرة على فرض وقف إسرائيل لحربها في غزة، انطلاقاً من اعتبارات بنيوية، تعكس علاقة اعتمادية، ذات طبيعة خاصة جداً، ترسخت عبر عقود، وانطلاقا من مكانة وقدرة الولايات المتحدة كقطب أول في العالم.
تعكس بعض تفاصيل الخطة التي عرضها ترامب، مؤخرا، لوقف الحرب على غزة وجود نية واضحة لوقفها. قد يكون أهم تلك المؤشرات هو تباين تفاصيل الخطة الأميركية الأخيرة عما عرضته الولايات المتحدة من قبل.
قدمت الولايات المتحدة في السابق عدة مقترحات ركزت في البداية على التوجه لإخلاء سكان القطاع، وإعادة إعماره تحت إدارة أميركية مباشرة. وقد أفصحت خطة أميركية عرضت، مطلع العام الجاري، عن رغبة للاستيلاء على القطاع، وإدارته من قبل الولايات المتحدة، ونقل دائم أو شبه دائم للسكان الفلسطينيين، وتحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط». كما جرى تداول مقترح في البيت الأبيض يركز على تحويل غزة إلى منطقة اقتصادية ذكية، مع «إعادة توطين طوعية» لسكانها، ودفع حوافز لهم لمغادرة القطاع مؤقتا خلال عمليات إعادة البناء. ورغم تراجع تلك التصريحات الداعية لفكرة التهجير بعد ذلك، تحت وطأة الصمود الفلسطيني في غزة وتصاعد الرفض العربي والدولي لفكرة تهجير الفلسطينيين، إلا أن التصريحات الأميركية بقيت تتأرجح بين كون ذلك مجرد «اقتراح مؤقت» أو «إعادة توطين طوعي». يأتي ذلك بالإضافة إلى أن جميع مبادرات الولايات المتحدة الأخرى ركزت على تهدئة مؤقتة تقوم على وقف إطلاق نار غير دائم أو عملية تبادل للأسرى، دون الخوض بتفاصيل لوقف الحرب.
في حين تعتبر الخطة التي عرضت من قبل ترامب نهاية الشهر الماضي متكاملة، تركز على جميع الأبعاد اللازمة لإنهاء الحرب وترتيبات ما بعد الحرب. كما عكس تراجع ترامب عن ضم غزة وتهجير سكانها واقعية الطرح الأميركي هذه المرة، ورغبة حقيقية بإنهاء الحرب. ورغم أن خطة ترامب الأخيرة تفتقر للتفصيل حول طبيعة مجلس السلام الذي سيدير غزة بعد الحرب، وتشكيلته، وعدم وجود خرائط وجداول زمنية توضح حدود وتوقيت الانسحاب الإسرائيلي من غزة، إلا أن الإشارة إلى تسليم الإدارة مستقبلياً للسلطة الفلسطينية، بعد إجراء إصلاحات، تتناقض مع تطلعات نتنياهو، الذي يريد أن يبقي السلطة و»حماس» بعيداً عن حكم غزة، لأسباب تتعلق برفضه قيام الدولة الفلسطينية.
من المتفق عليه أن الخطة الأميركية لا تلبي الطموح الفلسطيني، ولا حتى التطلع العربي والغربي لوقف الحرب، إلا أنها منطلق مهم يمكن البناء عليه. إن ذلك يفسر قبول العديد من الجهات بها، مع وضع تساؤلات وملاحظات. فقد جاءت الترحيبات الغربية مصحوبة بعدد من الملاحظات المهمة، حيث ركزت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على الحاجة للتركيز على الإجراءات الإنسانية الفورية. وشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ضرورة انخراط إسرائيل بحزم في إطار تلك الخطة. وربطت وزارة الخارجية الفرنسية بين ذلك الجهد الأميركي و»الجهود الدبلوماسية مع الشركاء الإقليميين»، وفق ما عكسه مؤتمر نيويورك الأخير، وهو ما يعد مدخلاً مهماً لصقل خطة ترامب إيجابيا. كما ركزت التصريحات الألمانية الرسمية على ضرورة وجود إجراءات ملموسة لتنفيذ خطة ترامب، ما يعني ترجمتها بخطوات واضحة وقابلة للتنفيذ، وهو ما يعكس غموضها الحالي، خصوصا ما يتعلق بلجنة السلام وتشكيلتها ودورها، وهو عنصر مهم من عناصر الخطة. في حين جاء ترحيب إسبانيا بخطة ترامب مصحوباً بضرورة وضع حل دائم قائم على أساس حل الدولتين، وهو ما يمكن البناء عليه في إطار خطة ترامب، التي تحدثت عن تمهيد الطريق لحكم ذاتي للفلسطينيين في غزة، والإشارة إلى دور ممكن للسلطة الفلسطينية، حيث يمكن البناء على ذلك وتطويره، في ظل ما جاء في بيان نيويورك، والواقع الفلسطيني الموجود على الأرض.
بالتأكيد، خطة ترامب لا تلبي الطموح الفلسطيني، ولكن تحمل مؤشرات جديدة تدعو للتفاؤل بوجود توجه لدى الولايات المتحدة لوقف الحرب. وقد تكون المهمة الأولى الحالية هي ترتيب تلك التساؤلات والتحفظات فلسطينياً مع الشركاء والحلفاء، خصوصاً في ظل وجود خطة دولية طموحة، تم طرحها في نيويورك، مؤخراً، بمبادرة سعودية فرنسية، الحليفين المقربين للولايات المتحدة، وتم إقرارها والموافقة عليها من قبل معظم دول العالم. كما يوجد بنود في خطة ترامب يمكن البناء عليها. ولعل الهدف الفلسطيني الأول، الآن، وقف الحرب والقتل والتدمير في غزة، كي يكون ذلك مدخلا لما سيأتي بعد ذلك.