خطّة ترامب ليست نهاية المطاف

طلال عوكل
خطّة ترامب ليست نهاية المطاف
لا تفوت الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فرصة التضخيم في خطّته التي لم تبدأ عملية قبولها وتنفيذها بعد، فتكون بالنسبة إليه حدثاً تاريخياً، ينهي خلاله صراعاً استمر لثلاثة آلاف عام.
كان يمكن لترامب أن يحظى بهذا «الشرف العظيم»، قبل أشهر لكان وفّر على الفلسطينيين والإسرائيليين خسائر فادحة.
عانى ويعاني الفلسطينيون جرّاء حرب الإبادة والتجويع، وويلات النزوح المتكرّر، وفقدهم البيت، والأهل.
وتعاني دولة الاحتلال من حصار دولي متزايد جعلها دولة منبوذة، ويتعرّض مسؤولوها للملاحقات القضائية، ويعاني اقتصادها وتجارتها، ومجتمعها، وتخسر سرديّتها التي اعتاشت عليها لعقود طويلة.
خسرت حلفاءها التاريخيين، وخسرت الولايات المتحدة مصداقيتها وانحسر دورها في العالم، وشهدت تحوّلات اجتماعية هائلة وعميقة ارتباطاً بالصراع الجاري، وخسرت الكثير من النقاط التي تتعلّق بالنظام الدولي الذي تتسيّد عليه منذ الحرب العالمية الثانية.
قد يحصل ترامب على جائزة نوبل للسلام، التي يسعى وراءها، لكنه يدفع ثمن الغرور، والنرجسية، والانحياز الأعمى الكامل لصالح دولة الاحتلال التي لم تعد قادرة على إنقاذ نفسها من نفسها.
أخيراً وبعد أن فقد الأمل، بقدرة الدولة العبرية على تحقيق أهداف الحرب العدوانية، وبعد خشيته من خسارة حلفائه من العرب، الذين دفعهم العدوان على قطر، بتواطؤ وخيانة أميركية، إلى البحث عن خيارات أخرى حتى لو أنهم لم يتخلّوا عن تعاونهم مع أميركا، أخيراً قرر أن يتقدم بخطّة لإنقاذ دولة الاحتلال، وإنقاذ مصالح بلاده دون أن يتخلّى عن الأخيرة.
بعد أن كان اتفق مع زعماء سبع دول عربية وإسلامية على بنود خطّته، الأمر الذي قوبل بترحيب من ضيوفه، عاد عن بعض بنودها، بعد مناقشات مع بنيامين نتنياهو المطلوب لــ»الجنائية الدولية»، ما أدى إلى الإخلال بالتوازن النسبي للخطّة.
ربما يشعر الزعماء الذين حضروا اللقاء مع ترامب بشيءٍ من الخديعة، لكن هذا الشعور إن تولّد لدى هؤلاء، إلّا أنه لم يكشف حتى الآن عن استعداد لتراجعهم عن الترحيب بالخطّة، وحيث بدأ بعضهم يحاول تسويقها، بالحديث عن أولوية وقف الحرب، وإدخال المساعدات.
حين تحلل الخطّة التي لم ترقَ إلى مستوى الاتفاق، الذي يؤدي إلى انطلاق قطار التنفيذ، ستصل بموضوعية إلى استنتاج أنها، تضع الطرفين؛ «حماس» ودولة الاحتلال في موقف حرج.
تحت ثقل المسؤولية عن معاناة سكان قطاع غزّة، وتحت ضغط المجموعة العربية، والدولية التي رحّبت بالخطّة، وضيق الوقت المتاح أمامها لتقديم إجابتها، وصعوبة بلع بعض القضايا المهمّة، فإن «حماس»ستقدم موقفاً أقرب إلى الـ «نعم.. ولكن».
دولة الاحتلال هي الأخرى في مأزق، ذلك أن نتنياهو لا يرغب أبداً في إنهاء حروبه، وربّما خسارة «ائتلافه اليميني المتطرّف»، وقطع الطريق أمام تحقيق أحلامه أو أوهامه في عموم المنطقة.
أسوأ شيء يمكن أن يحدث لنتنياهو، هو أن توافق «حماس» على الخطّة سواء نجحت في إدخال تعديلات على بعض بنودها، أو لم تنجح.
في الواقع فإن ثمة مؤشرات على أن الخطّة قابلة للنقاش والتوضيح وحتى التعديل وفقاً لمسؤولين أميركيين، وأيضاً وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الذي أشار إلى أن الخطة تحتاج إلى نقاش وتوضيح، والذي تستأنف بلاده دورها في الوساطة، بعد اعتذار علني مستحق من قبل نتنياهو تحت ضغط أميركي، ينطوي على عدم رضا إزاء التغيير الذي وقع على الخطّة كما عرضت بنودها في لقاء السبعة العرب والمسلمين مع ترامب.
هذا يعني أن جزءاً من المفاوضات، مع إدارة ترامب، ستتكفّل به الدول العربية المعترضة على التغييرات التي طرأت على الخطّة بالإضافة إلى المفاوضات مع «حماس».
دولة الاحتلال جاهزة للتراجع، وابتلاع موافقة نتنياهو، الذي قال وزير خارجيته جدعون ساعر، إن أي تغيير في الخطّة كما وافق عليها نتنياهو سيكون بمثابة رفضها.
في مطلق الأحوال، وسواء نجحت «حماس»، ونجح العرب الوسطاء، وغيرهم في إدخال بعض التعديلات، فإن الثقة معدومة تماماً إزاء إمكانية دولة الاحتلال الالتزام بها، وهي، أيضاً، مهزوزة، إزاء النوايا الأميركية والضمانات التي تتعهد بها، وإزاء إمكانية اعتماد الإدارة الأميركية الراهنة سياسة متوازنة أو تنطوي على قليل من الإنصاف.
بعض المحلّلين السياسيين، ذهبوا بعيداً في الحديث عن مخاطر ومساوئ الخطّة، وخبث أهدافها، ويبالغون كثيراً في الحديث عن تأثيراتها السلبية والخطرة على القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني.
نعم لا يمكن تزيين السيئ، ولا يمكن توقع أن يأتي من أميركا ما يلبّي طموحات الشعب الفلسطيني، أو إنصاف الضحايا، والمخاطر التي تنطوي عليها الخطة لا يستهان بها، ولكن الخطّة ليست نهاية الصراع لا مع الفلسطينيين ولا مع الإقليم، لأنها ليست نهاية المطاف بالنسبة لنتنياهو وحتى لأميركا.. والخطّة لن تساعد دولة الاحتلال في الإفلات من العقاب، أو إعادة تحسين صورتها في العالم، حتى لو أرادت الإدارة الأميركية أن تفعل ما تشاء لتغيير الصورة والسرديّة.
والخطّة لن تنقذ دولة الاحتلال مما تسبّبت به حكومتها الفاشية، مجتمعياً وسياسياً وثقافياً وعسكرياً، واقتصادياً، وما إن تتوقف الحرب، إن توقفت، حتى تظهر التشقّقات العميقة في الداخل، وتظهر آثار الطفح على جلد جيش البطش والطبقة السياسية، والشركات.
القضية الفلسطينية ما عادت، وما عاد أحد قادراً على أن يدفعها إلى زوايا الظلام، فلقد أصبحت في عهدة الرأي العام العالمي، بما في ذلك الأميركي الذي وقف معظمه على الحقيقة التي غابت تفاصيلها عنه ردحاً طويلاً من الزمن، ولا خوف على القضية والحقوق طالما أنها بيد شعب من أقوى شعوب العالم، وأشدها صلابة باعتراف أعدائه.