عام آخر من التجهيل لأطفال قطاع غزة

إبراهيم الطهراوي
عام آخر من التجهيل لأطفال قطاع غزة
الكوفية في مثل هذه الأيام من شهر سبتمبر من كل عام يستقبل الملايين من أطفال العالم، منهم "أطفال دولة الاحتلال ـ اسرائيل" عامهم الدراسي الجديد بصقوس احتفالية خاصة، يتم الاعلان فيها بشكل رسمي عن افتتاح عام دراسي جديد، يحضره كبار رجال الدولة، لبث الأمل والطمأنينة في نفوس الطلاب.
إسرائيل كغيرها من الدول افتتحت العام الدراسي الجديد بحضور "رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ووزير التربية والتعليم يوآف كيش" في أجواء احتفالية، بعث من خلالها نتنياهو برسالة أمل وطمأنينة للمجتمع الاسرائيلي مفادها أنه رغم الحرب، فإن الحياة تسير بشكل طبيعي، وأن المرافق التعليمية "رياض أطفال ـ مدارس ـ جامعات"، تعمل بشكل منتظم، وأن حكومته تقاتل بيد، واليد الأخرى تبني.
فليس من قبيل الصدفة أن يعمد نتنياهو بافتتاح السنة الدراسية الجديدة مع الأطفال بمدرسة "بيجن" الابتدائية بمدينة "نوف هاجليل" حيث حظيت الافتتاحية بتغطية اعلامية واسعة، مع نشر صور له مع الأطفال وسط أجواء احتفالية، تبعث رسالة أمل وطمأنينة للشارع الاسرائيلي، بأن الحياة في شمال "فلسطين المحتلة" تسير بشكل طبيعي بعد توقف الحرب مع حزب الله.
حوالي ١٨٠ ألف طالب اسرائيلي جديد في "الصف الأول" التحقوا بمدارسهم هذا العام، في مقابل ذلك هناك أكثر من ٤٥ ألف طفل فلسطيني لم يتمكنوا من الالتحاق بمدارسهم "الصف الاول" نتيجة الاعتداءات الاسرائيلية على غزة التي لم تتوقف للحظة واحدة منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م.
الصورة الإنسانية التي حاول نتنياهو إيصالها العالم من خلال التقاءه بالأطفال والتي حصلت على تغطية اعلامية، تقابلها صورة قتل لآلاف الاطفال الفلسطينيون الذين منعتهم الحرب من الوصول لمدارسهم، نتيجة القتل والتدمير الممنهج الذي يقوم به جيش الاحتلال، ونتيجة أيضاً لتساقط الصواريخ على منازلهم، وعلى مراكز الايواء والنزوح، حيث أجبر هؤلاء الأطفال مع ذويهم على ترك منازلهم، واللجوء إلى ما صنفتها اسرائيل بالمناطق الآمنة، ورغم ذلك لم يسلموا من القتل، وتفحم أجسادهم الغضة الطرية يحرقون بسبب القصف الجوي والمدفعية على خيامهم التي لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، ولا شظايا الصواريخ.
نتنياهو الذي يحاول تحميل صورته وبأنه راعي الطفولة والنشئ، هو نفسه الذي يأمر قواته بإطلاق الرصاص على رؤوس الأطفال، ويسمح بإسقاط الصواريخ والقذائف المدفعية على منازل الفلسطينيين العزل، دون تفرقة بين مدني وعسكري، وهو بشحمه ولحمه من فرض سياسة التجويع لابتزاز حماس، واجباتها على الاستسلام، بالإضافة لرفضه وقف حرب الإبادة ضد الفلسطينيين.
وبحسب تقرير يونيسيف عن الوضع الإنساني في فلسطين عن الفترة من " ١ يناير حتى ٣٠ يونيو ٢٠٢٥"، فإن أكثر من ٦٥٨ ألف طالب في غزة خارج المدارس منذ عامين، وهو ما اعتبره التقرير من أخطر الأزمات التعليمية العالمية، وأن أكثر الفئات العمرية التي تضررت بشدة بسبب إغلاق المدارس هم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من "٦ـ١٢ عام"
ورغم افتتاح بعض مراكز التعليم الطارئ "في فصول غير مؤهلة، أو في الخيام " إلا أن السواد الأعظم من الطلاب لم يستطيعوا الالتحاق بها، بسبب الخوف، والتوتر النفسي، وبفعل الاستهداف المباشر لبعض هذه المراكز، التي لا تخضع للحماية بموجب الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
معاناة الأطفال في غزة لا تقتصر على فقدانهم حقهم في التعليم بل تعدادها إلى انعدام الأمن الغذائي والصحي وتدهور الحالة النفسية بسبب مشاهد الموت المرعبة وأصوات الانفجارات، بالإضافة لأن عدد منهم تعرض لإصابات بالغة أدت إلى بتر أطرافهم.
استمرار اسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين بما فيهم الأطفال،
ينذر بتجهيل وضياع جيل بأكمله، ويفاقم من المعاناة اليومية للفلسطينيين، ويؤدي إلى انتشار المجاعة بينهم، والى تفشي الاوبئة، والأمراض، وسوء التغذية، بالإضافة لأن حرمان الأطفال الفلسطينيين من حقوقهم في التعليم والرعاية الصحية، والحق في الحياة والنمو، وغيرها من الحقوق التي كفلتها "اتفاقية حقوق الطفل" الصادرة عن الأمم والتي وقعت عليها أكثر من "١٩٠ دولة" ودخلت حيز التنفيذ سنة ١٩٩٠.
بين مشهد الطفل الاسرائيلي الذي التحق بمدرسته بالأمس، ومشهد الطفل الفلسطيني الذي يقضي معظم وقته في السعي لتأمين كسرة خبز يسد بها جوعه، وشربة ماء يروي بها عروقه، "بون واسع" في الترف والمعاناة، وهناك عالم ظالم يقف متفرج يعجز عن حماية عهوده ومواثيقه، ولا تحركه صور القتل والدمار والجوع والمعاناة، مع "قيادة فلسطينية" بائسة لا تهتم إلا لمصالحها، وضعتنا في آتون حرب لا نعلم ما هي أهدافها، ولا ندري متى تنتهي.
إلى أن تتوقف الحرب يبقى الفلسطيني وقود لها يدفع ثمن غباء قيادة تركته وحيداً، يصارع آلة الحرب الاحتلالية، ويواجه بمفرده خطط النزوح والتهجير والترحيل